علي الشريمي- الوطن السعودية-
العنف اللفظي إهانة وتحقير وبث كراهية، يتمثل في التعبيرات العنصرية والطائفية التي تحط من كرامة الإنسان، وتدفعه ولو بطريقة غير مباشرة إلى المواجهات الجسدية
يحيط بنا اليوم، عنف من شتى الأنواع، ليس أسوأه الجسدي وإن كان أكثره وحشية ودموية، فالعنف ليس فقط حزاما ناسفا ينفجر ولا مسدسا ينطلق ولا سكينة تغرز. العنف إهانة وتحقير وبث كراهية. عنف لفظي يتمثل في التعبيرات العنصرية والطائفية التي تحط من كرامة الإنسان وتدفعه ولو بطريقة غير مباشرة إلى المواجهات الجسدية، كل تلك الصور العنفية اللفظية لا تخلو منها الممارسات الدينية للبشر على مر التاريخ.
في أعقاب الإرهاب الذي استهدف مسجد الإمام الرضا في الأحساء العريق شرق وطننا الغالي، والذي راح ضحيته 4 أشخاص وأصيب 18 آخرون، سادت حالة من الاستياء والتذمر الشديد بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد خبر الإعلان عن تنظيم مركز الدعوة والإرشاد في منطقة الرياض محاضرة حملت مضمونا طائفيا تحت عنوان "المذهب الإثني عشر.. النشأة والمعتقد وموقف أهل السنة منه"، لأحد الدعاة والتي تم عقدها يوم السبت 20 ربيع الثاني 1437 من العصر إلى العشاء في أحد جوامع الرياض.
المحاضرة قامت بتصنيف المسلمين المخالفين بتصنيفات حادة، ووضعتهم ضمن خانات وقوالب ضيقة من قبيل "مبتدعة" و"زنادقة" وغيرها من الألفاظ التي لا تنسجم مع سماحة الإسلام وأفقه الأخلاقي الواسع.
السؤال: ما مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، خصوصا أنها تعتمد ذلك بختمها الرسمي على الإعلان الصادر من مركز الدعوة والإرشاد في الرياض؟
نحن في أمس الحاجة هذه الأيام العصيبة المريرة التي استشرى فيها الغلو الطائفي، حد تمزيق النسيج المجتمعي وتهديد الوحدة الوطنية، إلى نشر ثقافة التسامح لحماية أوطاننا.
هذه الكراهية هي التي جعلت هذا الشاب يفجر نفسه في مسجد الأحساء، خاصة إذا علمنا أنه كان ملتحقا بحلقة تحفيظ القرآن الكريم في المسجد منذ تخرجه في الثانوية العامة، ثم بقسم الدراسات الإسلامية في إحدى الكليات، ومؤذنا رسميا في أحد المساجد!
إن مولدات الكراهية في مجتمعاتنا متعددة: التربية غير السوية، وتعليم التعصب، والخطاب التكفيري، والموروث الثقافي التعصبي، والعنصرية الإقصائية لبعض مكونات المجتمع، والقنوات والمواقع المحرضة، والتي أثمرت في النهاية غلوا في الكراهية، فطالت المساجد بالتفجير، واستباحت دماء المصلين الأبرياء.
لطالما نادينا مرارا وتكرارا جميع الأطراف بزرع فكرة التعاضد الحقيقي، وأن تزرع المنابر السنية والشيعية فكرة الاحترام للآخر عن طريق منع لغة الكراهية والمساس بالمعتقدات. ولعل كلمة الملك سلمان بتاريخ 10 مارس 2015 شاهد على ما نقول:
"نؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات".
حقيقة أقولها بكل صراحة: اليوم يوم القانون، فإذا لم يوجد قانون فأول من سيكون في خطر هو الدين، وهذا ينطبق على أصغر شؤوننا، فمثلا لو انفلت الشأن المروري، ولو لم يعاقب من يعبر الإشارة الحمراء فسيستغل الإرهابي هذه الثغرة ويفحط بسيارته على أجساد الناس.
إنه القانون يحمي الدين ويحمينا. إن تشبثنا بآرائنا المتعادية على بعضنا البعض حتى وإن كانت تحت حرية الرأي، فسنبقى ندفع ثمنها على غرار ما حصل، وإن أردنا السلام فلنجد الطريق الوسط، ونجهر بما نتفق لا ما نختلف.