عبدالرحمن الواصل- الشرق السعودية-
هاجمتْ داعش بعمليَّاتها الإرهابيَّة تلك الجوامع والمساجد، فاستشهد خلالها 58 مصليّاً – رحمهم الله- وأصيب فيها ما تجاوز 180من المصلِّين -شفاهم الله-، مستهدفةً الوحدةَ الاجتماعيَّة في بلادنا وإحداثَ الفتنة
مارستْ الجماعاتُ الإرهابيَّةُ أسلوباً جديداً في تنفيذ عمليَّاتها الإجراميَّة في بلادنا، فهاجمتْ مساجدَنا الآمنةَ لإحداث أكبر عددٍ من الخسائر البشريَّة من بين المصلِّين، ولقد اعترفتْ داعش بمسؤوليَّتها الإرهابيَّة عن عمليَّاتها تلك، ففي فترة زمنيَّة تجاوزت قليلاً العام الواحد شهدتْ الأحساءُ في نوفمبر 2014م هجوماً إرهابيّاً بأسلحةٍ رشَّاشة ومسدساتٍ على حسينيَّة الدالوة، وفي مايو 2015م فجَّر انتحاريٌّ جسدَه في مسجد الإمام علي في بلدة القديح في محافظة القطيف، وبعد ستَّة أيَّام استهدف إرهابيٌّ متنكِّرٌ بزيٍّ نسائيٍّ جامعَ الإمام الحسين في الدمام أثناء خطبتي صلاة الجمعة، محاولة أحبطها مصلُّون عند مواقف المسجد ففجَّر الانتحاريُّ جسدَه، وفي أكتوبر 2015م استهدف إرهابيٌّ بإطلاقه النار على المصلِّين في مسجد الكوثر في سيهات، وفجَّر انتحاريٌّ جسدَه في باحة مسجد المشهد بمدينة نجران أثناء صلاة المغرب، وفي أغسطس 2015م هاجم انتحاريٌّ المصلِّين في مسجد قوَّات الطوارئ في مدينة أبها أثناء أدائهم صلاة الظهر، وفي يناير عام 2016م فجَّر إرهابيٌّ جسدَه عند مدخل مسجد الرضا في الأحساء، هذا عدا ما أحبط من محاولاتٍ إرهابيَّة استهدفتْ مساجدَ جهاتٍ أمنيَّة وعامَّة.
هاجمتْ داعش بعمليَّاتها الإرهابيَّة تلك الجوامع والمساجد فاستشهد خلالها 58 مصليّاً – رحمهم الله – وأصيب فيها ما تجاوز 180 من المصلِّين -شفاهم الله-، مستهدفةً الوحدةَ الاجتماعيَّة في بلادنا وإحداثَ الفتنة فيها لتنفيذ مخططاتها الأخرى، إلا أنَّ وعيَ المواطنين ويقظةَ رجال الأمن أفسدتْ عليها وعلى المتعاطفين معها ومموِّليها خططَهم وأفشلتْ أهدافَهم، فقد أرادت داعش بعمليَّاتها تلك زرعَ الطائفيَّة في بلادنا لتصلَ بها إلى ما وصلت إليه العراقُ وسوريّا وليبيا فتحقِّقَ ما حقَّقتْه هناك من سلطةٍ وتسلُّط؟!!، فهل تظنُّ والمتعاطفون معها ومموِّلوها أنَّهم قادرون على هدم كيان دولتنا –حماها الله- وتفتيت وحدتها الوطنيَّة -أدامها الله-؟!!، خابوا وخسئوا لن يتحقَّقَ لهم ذلك، فبلادنا تمثِّلُ مكوِّناً من التَّحالف الدوليِّ لمحاربة إرهابهم وغيرهم من التنظيمات الإرهابيَّة داخل الوطن وخارجه، تنظيمات اتِّخذت الدينَ وسيلةً للتغرير بالسذَّج من المواطنين ومن غيرهم بدفعهم لساحات الصراعات والحروب ليفجِّروا أجسادَهم بالأبرياء في الداخل وفي دول الجوار.
أحسبُ أنَّ مواجهةَ بلادنا لداعش داخليّاً وخارجيّاً ينبغي أن تبدأَ أولاً بمواجهة المتعاطفين معها والمموِّلين لها والمحرِّضين على الوطن والمواطنين بدعمها، وهذا ما تأخَّر في بلادنا؛ إذْ ما زال أولئك يموِّلون ويتعاطفون ويغرِّرون بمجتمعاتهم ويكتبون في وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ ويعلِّقون فيها وفي مواقع الصحف، وهم بذلك يهدِّدون الأمنَ والاستقرارَ والسلمَ الاجتماعيَّ منذُ انطلاقتهم الأولى من مكتبات الجوامع والمساجد بجهود الشيخ عبدالله المعتاز المعرِّفِ نفسَه بمؤسِّس إدارة المساجد والمشاريع الخيريَّة عام 1391هـ في كتاب ذكرياته، وبمساندته من مشايخ التطرُّف آنذاك وإشرافهم، فمتى يحين الوقت لمتابعتهم فمحاسبتهم منذ ظهورهم وإلى الآن؟!!، فهل بلادنا بحاجةٍ لوجبات رادعة ثانية وثالثة كوجبة نمر النمر ورفاقه الذين أخزاهم الله بأحكام قضائيَّة نُفِّذتْ فيهم وفق شرع الله؟، ووصلتْ رسالتها إلى إيران الراعية للإرهاب عالميّاً وإلى أذنابها في الداخل وفي الخارج، إذاً فلتكن وجباتٌ أخرى.
لقد أثبتَ الوطنُ بقياداته العليا والأمنيَّة وبرجال أمنه وبمواطنيه أنَّهم جبهةٌ داخليَّة واحدة لن تصدِّعها عمليَّات داعش ومخطَّطاتها، بل إنَّها بعد كلِّ عمليَّة تزداد تماسكاً وصموداً، وما عمليَّة الدالوة في الأحساء ابتداءً وما أنتجته من ردود فعل شاجبة مستنكرة من الإخوة المواطنين الشيعة والسنَّة، وما تبع ذلك بعد كلِّ عمليَّة إرهابيَّة من المواطنين تجاهها صموداً ووقوفاً مع الوطن ورجال أمنه، فالإخوة المواطنون من المذهبين معاً يتعاونون مع الجهات الأمنيَّة للحيلولة دون زرع الطائفيَّة واستثارة الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعيِّ في بلادنا، وليس بخافٍ عليهم الدور الإيرانيُّ في ذلك وفي الدول المجاورة أيضاً، فقد جرَّبوا التعايش فيما بينهم تحت مظلَّة المواطنة، وأدركوا ما وصلت إليه الدول المجاورة بسبب الطائفيَّة من أوضاع مأساويَّة أمنيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، فماذا قدَّمت داعش لمواطنيها التي استولت على مناطق منها غير الخراب والتدمير لمساكنهم وللبنية التحتيَّة لبلادهم وغير إزهاق أرواح الأبرياء والنزوح داخل بلادهم والتهجير والتشتُّت في الدول المجاورة وفي أوروبا، وغير المجاعة والمرض والجهل وغياب العدالة بل وغياب الإسلام ممارسة وعبادات لمن اضطرُّوا للبقاء في أوطانهم؟!.
فليكنْ من أساليب مواجهة الفكر المتطرِّف والإرهاب والتَّعاطف معه والتحريض عليه استفتاءُ المواطنين على اختلاف شرائحهم الاجتماعيَّة والمذهبيَّة ومستوياتهم التعليميَّة والثقافيَّة لاستجلاء آرائهم حول أساليب التعاطف مع الإرهاب ودعاة التحريض عليه وعلى كره الآخر وعلى تصنيف المواطنين السنَّة والشيعة؛ لكشفهم وللتعرِّف عليهم ومتابعتهم ومواجهتهم مباشرة ومحاسبتهم وملاحقتهم قضائيّاً، فمجتمعاتنا تتداول أسماءَ أولئك منذُ سنوات، وبخاصَّة من طرحوا تعاطفهم ودعواتهم التحريضيَّة في مطويات وكتب وكتيِّبات وفي محاضرات مسجَّلة ومكتوبة وفي برامج ومداخلات في قنوات فضائيَّة وغيرها ممَّا يدانون بوثائقهم تلك، ولا يعني تخفِّيهم في الآونة الأخيرة أو زيادة حذرهم بأنَّهم قد توقَّفوا عن ذلك أو أنَّ ذلك يبرِّئهم من ذلك، وأن تسنَّ قوانين صارمة لتجريم هذه الأفعال والأقوال والمشاعر المتطرِّفة حمايةً للمجتمعات وللوطن من كلِّ ما يهدِّد التعايش والوحدة الوطنية، فقوانين حماية الوحدة الوطنيَّة ستعالج التطرُّف والإرهاب والتحريض والتعاطف معها والتمويل لها وستقي منها، إضافة إلى أنَّها حاجةٌ تنموية ستوجِّه الطاقاتِ المهدرة بالتعصُّب وبالتحريض وبالتطُّرف وبالطائفيَّة للعمل المنتج وللإبداع فلبناء الوطن.