عزيزة المانع- عكاظ السعودية-
كتب الأستاذ محمد العصيمي يوم السبت الماضي في زاويته الحية (نقطة في بحر) يقترح تطبيق عقوبة الجلد على مخالفات المرور الكبرى، لفرط ما يشعر به من حرقة نتيجة تفاقم الخسائر البشرية بسبب الحوادث الناجمة عن عدم مبالاة سائقي المركبات، وعجز المرور عن التصدي لهم للحد من تدفق سيل الدماء على الطرقات. إلا أن الأستاذ العصيمي برغم ما اقترحه، يبدو مترددا في الحكم بصواب اقتراحه، فعبر عن تشككه في أن يجد من يؤيده عليه.
ولعل تردد الأستاذ العصيمي في الحكم بصواب اقتراحه، ناجم من كونه يرى أن تطبيق الجلد في عقوبات الردع، أسلوب يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وفي الوقت نفسه يظهر أنظمة المملكة أمام العالم في صورة بدائية تتنافى مع قيم العصر الحديث، فضلا عن أن عقوبة الجلد حتى الآن، لا توجد لها دراسات تتبعية تبرهن على أنها أكثر فعالية في الردع من غيرها من العقوبات الأخرى.
وإذا كنت هنا أدعم تردد الأستاذ العصيمي في الحكم بصواب ما اقترح، فإن ذلك ليس من باب التعاطف مع المتهورين من السائقين، الذين يؤذون أنفسهم وغيرهم بطيشهم واستهتارهم ويستحقون فعلا عقوبات مغلظة حاسمة رادعة، وإنما أدعم رفض الاقتراح لبشاعة عقوبة الجلد، ولا أعني بالبشاعة ما تحدثه من ألم بدني قدر ما يصحبها من مهانة لكرامة الإنسان.
وأرجو أن لا يقفز قارئ هنا ليقول إنك تعترضين على عقوبة أقرها الشرع في بعض الحدود. فما أقره الشرع مسلم به لا اعتراض عليه، ولكن العقوبات الشرعية مكانها الحد الذي شرعت له، وما عدا ذلك يختلف، فحد قطع يد السارق، أو رجم الزاني أو جلده، أو جلد القاذف، لا يلزم بتعميم تلك العقوبات على مخالفات أو جرائم أخرى لمجرد أنها شرعت عقوبة في تلك الحدود.
إن هذا ما يجعلني أرى أن من الحق أن تبقى عقوبة الجلد ضيقة محصورة في نطاق الحدود التي شرعت فيها، وأن لا تتعداها إلى جرائم أو مخالفات غيرها.
وكنت أفكر منذ زمن في مدى الصواب في تطبيق أحكام الجلد في عقوبات التعزير، خاصة أن بعض الأحكام تصدر بآلاف الجلدات مما لم تتضمنه عقوبة حد من الحدود الشرعية! وهذه قضية تستحق من قضاتنا الأفاضل وهيئة كبار العلماء الموقرة، التأمل فيها ودراسة إمكانية استبدالها بعقوبات أخرى أقل بشاعة وإذلالا.