هبة زهير قاضي-مكة السعودية-
قالت المذيعة بلهجتها الإنجليزية الثقيلة على أثير واحدة من أشهر القنوات الإذاعية ببريطاينا «نستمر معكم أعزاءنا المشاهدين في برنامجنا والذي نتحدث فيه اليوم عن تأثير الإعلام الاجتماعي في السعودية، خاصة في بلد يمنع فيه الاختلاط في الأماكن العامة، ولا يوجد لديهم أندية أو حتى دور سينما أو أي أنشطة ترفيهية، وحيث تمنع النساء من قيادة السيارة، ومن التنقل إلا برفقة مرافق من أهلها لحراستها». واستمرت المذيعة في وصف أوضاعنا لبرهة من الوقت وأنا أستمع على الخط كضيفة من خلال فريق الإعداد وأفكر في المنحى الذي تتخذه المقابلة التي تم التنسيق معنا على أساس أن موضوعها ومحاورها تركز على تأثير الإعلام الاجتماعي على الفكر ونمط الحياة في السعودية.
بعد انتهاء المذيعة من الحديث، فوجئت بالمعد يخبرني بأنه ستظهر ضيفة أخرى للحديث قبلي وأنه سيفتح لي المجال للتعقيب بعدها. لتظهر فجأة فتاة اسمها هند والتي عرفوها بأنها مبتعثة سعودية والتي أخذت تقص على المستمعين البريطانيين بإنجليزية ممتازة عن خلفيتها القبلية وتصف الحياة في قريتهم البدائية (التي لم تحدد في أي منطقة) المنغلقة والبائسة، وأن المرأة مقموعة وأن نافذتها الوحيدة على العالم كانت الانترنت والذي استطاعت من خلاله التعرف والانفتاح على العالم وإدراكها لسوء وظلم الوضع الذي تعيشه. وأنها بعد الابتعاث تعيش الحرية والحياة التي حرمت منها في السعودية.
في رأيي كانت مقابلة بها كم كبير من التحايل الإعلامي الرخيص والذي تم فيه استخدامنا كسعوديين لمناقشة موضوع يلفت الغربيين. ولكن المشكلة ليست هنا فالإعلام قد يصل إلى ما دون ذلك لتحقيق الفرقعات والمشاهدات. إن المشكلة في البسطاء مثل هند الذين ينساقون إلى الأجندات والمصائد بكل سهولة. المشكلة في نفسيات وأشخاص كبتوا وقمعوا، فلما تنفسوا بعضا من الحرية قادوها بتسرع وجنون قد يودي بحياتهم. كلنا يعلم بما نعانيه، فلسنا أغبياء أو غافلين عما ينقصنا أو عن الأشياء البديهية التي نفتقرها في حياتنا من مرافق وتعاملات وحقوق، ولكننا ندرك متى نتكلم ولمن نتكلم وكيف نتكلم، ولا نسمح للأجندات السياسية المتخفية في الشعارات والمظاهر باستغلال أوضاعنا.
ندرك بأن ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت آخر هو التعايش والحوار بين أفراد الوطن الواحد، وليس التشنيع ونشر الغسيل. ندرك أننا في مقابل القوى العظمى والمكائد الكبرى بحاجة إلى التروي وإبداء مصلحة التماسك والهوية والاستقلال. والأهم ندرك من خلال قراءتنا للتاريخ أن إظهار الانسلاخ والتشهير بالضعف واستجداء الغوث ليس سوى فرصة للآخر للوصاية عليك، وحينها قد يحصل ما لا تحمد عقباه بحجة الإنقاذ.