تواصل » صحف ومجلات

تركي الدخيل وحصان طروادة

في 2016/06/01

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج

كثير من الاعلاميين السعوديين يظنون ان  تركي الدخيل المدير العام لقناة العربية والناشط في الديوان الملكي السعودي كان سعيد الحظ عندما وقع الاختيار عليه ليكون الشخص الذين يجلس مقابل ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان في المقابلة الشهيرة بعد المصادقة على رؤية المملكة 2030 لكن قلة من يعلمون انه وبصرف النظر عن عمله كمدير عام لقناة العربية، فانه المستشار الخاص لمحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات. اذ لم يترك “الدخيل” أروقة الديوان الملكي السعودي منذ عمله في المشروع الإنساني للأمير عبدالعزيز بن فهد وحتى بعد تولي الملك عبدالله العرش.

ان تركي الدخيل هو ابن خالة متعب بن عبدالله وزير الحرس الملكي السعودي، الابن الاكثر خبرة من أبناء الملك عبدالله، والذي كان لديه تطلعات لأن يحكم المملكة، أصبح تركي الدخيل وبسرعة فائقة الرجل الأبرز لـ”متعب” في هذه الأثناء أصبح الدخيل حلقة الوصل بين الأمير “متعب” ومحمد بن زايد الذي خطط لتوثيق علاقته مع ابن الملك المرشح القادم للعرش.

من الواضح ان هدف محمد بن زايد كان هو السيطرة على ملك سعودي ضعيف، ما يعني السيطرة على صنع القرار في المملكة، وهي نزعة امتدت إلى السلالات الحاكمة للدول الخليجية، التي كانت تعاني من هيمنة المملكة عليها منذ بعيد نشوئها، لدرجة أن السعودية فاوضت الشيخ زايد حول أراضي قبيلته، وذلك خلال اتفاقية جدة عام 1974 التي رسمت الحدود بين البلدين، وحتى أولاد الشيخ زايد يرون أن هذه الاتفاقية غير عادلة بالنسبة لهم، وأن المملكة استغلت ضعف الإمارات في ذلك الوقت لفرض شروطها.

ظهر محمد بن زايد فجأة كلاعب في الساحة الإقليمية، وهو معروف بعدائه الشديد للأحزاب الإسلامية، فضلا عن علاقة ممتازة بالحكومة الإسرائيلي، يدير هذه العلاقة مستشاره الفلسطيني محمد دحلان. الامر غير المعروف عن محمد بن زايد انه كان أحد هؤلاء المنتمين للتيار الإسلامي، حيث انتمى إلى جماعة التبليغ: وهي جماعة هندية صوفية تبقى بعيدة عن السياسة حيث يشكل انتمائها للتصوف الهندي، وبعدها عن السياسة، السلوكين البارزين لها، وهو ما يفسر كراهية “بن زايد” المبالغ فيها للأحزاب الإسلامية، إذ أنه كان أحد ضحايا خطاب هذه الأحزاب لفترة طويلة. وبالمحصلة فقد شكل الانتماء للمدارس الإسلامية ثم التحول عنها القاسم المشترك بين محمد بن زايد وتركي الدخيل.

مع وفاة الملك عبدالله، ترك متعب ابنه أروقة القصر والحكم، لكن “الدخيل” أعاد تدوير نفسه هذه المرة مع محمد بن سلمان الشاب الطامح إلى عرش المملكة، مع نظرة مشتركة لتجربة الإمارات التنموية.

كانت تجرية “الدخيل” مع محمد بن سلمان مختلفة عن تجربته مع “متعب” والأمير عبدالعزيز بن فهد لأنه في الوقت الذي كان فيه “الدخيل” مع الملك عبدالله والملك فهد، كان الأميران سلطان ونايف القويان على قيد الحياة، وهما اللذان عاملا الدول الخليجية الأخرى بتكبر، وخلال حقبة “متعب” لم يستطع أن يمارس مهامه بتمرير الأجندة الخاصة بسبب التردد المستمر للأمير “متعب”، لكن بعد وصول الملك سلمان للعرش وجد الدخيل مبتغاه في الأمير محمد بن سلمان.

يحاول محمد بن زايد إظهار نجاحه عن طريق إقامة العلاقات الممتازة مع الأميركيين والإسرئيليين، ويسعى لتسويق نفسه كنموذج يحتذى به أمام محمد بن سلمان، والأكثر من ذلك يقوم بدور الوسيط بين محمد بن سلمان والأميركيين في مفارقة غريبة في العلاقات السعودية الأميركية في الوقت الذي لا تظهر فيه الإمارات قيامها بهذا الدور.

نجح محمد بن زايد حتى الآن في تمرير الأجندة الخاصة به عبر الدخيل، عبر التقليل من دور رجال الدين في الحياة العامة، والتهيئة للقرار المثير بالتقليل من الشرطة الدينية، والتوسط بين “إسرائيل” والسعودية في شراء بيانات استخباراتية ملتقطة عبر الأقمار الصناعية عن الحملة العسكرية في اليمن.

لا يملك أحد إجابات مرضية حول نظرة “سلمان” لدور “تركي الدخيل” في الديوان الملكي، لكنه منشغل جدًا بالسياسة الخارجية، وفي الغالب لا يلاحظ مثل هذه التفاصيل الجانبية التي قد تتزايد يومًا ما، فقد مُرر جزء ضخم من أجندة بن زايد عن طريق الدخيل باستغلال سلطة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

العقبة المتبقية في طريق “بن زايد” هي ولي العهد السعودي “محمد بن نايف” الذي تولى قضية الحدود بعد والده، والقضية اليمنية التي يحاول محمد بن سلمان أن يأخذها منه، ويحمل “بن نايف” ثقلًا سياسيا كبيرا بخبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب، والتعامل مع كافة الطبقات في المجتمع السعودي، بالإضافة إلى العلاقة الممتازة مع قطر: الحليفة للأحزاب الإسلامية في المنطقة العدو اللدود ل “بن زايد”.

صحيح أن قطر الآن في موقف لا تحسد عليه بعد خسارة رهانها على الإخوان المسلمين الذين يحاربون بعضهم البعض في صراع على خلافة المرشد العام، ولذا فقد ضاقت الدوحة بهم ذرعًا، وطردتهم إلى تركيا، لكن في هذه النقطة تحديدًا من يعرف السياسة الخارجية السعودية يدرك أن الملك سلمان قام بتكليف محمد بن نايف لكي يكون مقربًا من قطر بسبب نشاطها السياسي في المنطقة، وكلف محمد بن سلمان لكي يكون قريبًا من الإمارات لنفس السبب، في محاولة لكي تكون السعودية المحرك الرئيسي للمشهد في المنطقة، ولإدارة توازن القوى المتناقضة: وهو الدور المفضل للسعودية على مر عقود!

ربما استطاع محمد بن زايد إغضاب محمد بن نايف عندما أطاح بالدكتور سعد الجبري وزير الدولة في الحكومة السعودية، و المقرب من “بن نايف” وعضو مجلس الشئون الأمنية والسياسية الذي يترأسه محمد بن نايف. كان الجبري الذراع اليمنى لـ”بن نايف”وكان مساعده الأكبر في الملفات الأمنية التي تناقشها الحكومة، وبعد إقالته أصبح “بن نايف” دون ذراع أيمن في المباراة الطويلة والصعبة مع “بن زايد”.

النقطة الأكثر خطورة فيما يتعلق بالدخيل هو أن عادل الطريفي أحد أبرز أصدقائه تولي وزارة الثقافة والإعلام السعودية، وهو ما يعني أن الأجندة الإماراتية ستطغى على المشهد الإعلامي والثقافي في المملكة، صحيح أن هذا المنصب كان حكرًا على العلمانيين، لكن الموقف مختلف، إذ ستكون الإمارات حاضرة هذه المرة.

ظهر محمد بن سلمان في حوار تلفزيوني معلنا رؤية المملكة لعام 2030 التي تطمح من خلالها إلى زيادة العائدات غير النفطية ولتغيير الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وكان ذلك دون إشارة إلى أي تغيير في الحياة السياسية، كما لو كان الأمر مستوحى من تجربة الإمارات، أدار الحوار تركي الدخيل الذي ظهر لكل من تابع الحلقة منتشيًا حيث برز وهو يمازح ولي ولي العهد.

 لم يكن إختيار الدخيل عشوائيًا، بل وكأنه يمتلك حق امتياز نقل تجربة الإمارات إلى السعودية، وتقليص دور رجال الدين المحيطين بمحمد بن نايف وآخر صخرة في وجه محمد بن زايد للقضاء على الهيمنة السعودية إلى الأبد.

في كل ذلك، يبدو ان بن زايد يلعب لعبة حصان طروادة في اكثر من دولة من دول الخليج، لكن عينه دائما على الدولة الاقوى خليجيا وهي السعودية، ومن هنا تحديدا تظهر حقيقة تركي الدخيل، حصان طروادة بن زايد دتخل اروقة القرار السعودي.