هناك مشكلة كبيرة نواجهها اليوم في الإعلام، وهي الأمانة في نقل الخبر، ففي الأصل علينا أن نتمتع بمعايير أخلاقية في نقل الخبر أو حتى في صياغة التصاريح لأن حرفا قد يغير في المعنى وقد يترك تأثيرا سلبيا في المتلقي ويربك الواقع.
إنَّ الخبر أمانة لذا يجب التأكد منه قبل نقله من مصدرين موثوقين على الأقل، أو عدّة مصادر متقاطعة، لذا يجب القيام بالمهمة عبر المعايير المهنية والتقنية المتّبعة من قبل أبرز مؤسسات الإعلام العالمية.
قد يرغب أي إعلامي في تحقيق الشهرة، وفي استقطاب الرأي العام، فيضرب عرض الحائط بشرف المهنة وبضرورة الموضوعية والحيادية، من أجل تكريس حضوره، خاصة أننا بتنا اليوم مجتمعات لا تتريث في البحث عن الحقائق، مما يدعنا في حالة جنون واستباحة لكل شيء في سبيل تحقيق السبق الصحفي، هذا ما نسميه عدم الأمانة بعينها، فالغاية واضحة والوسيلة غير مشروعة.
بعض الإعلاميين يبحثون لأنفسهم عن الشهرة، فلا يجدون إلا السبل غير المشروعة، فيقومون عن قصد عامدين متعمدين بتلفيق قصص معينة لشخصيات عامة جاذبة ليحققوا ما عجزوا عن تحقيقه فيما لو حملوا أمانة العمل الإعلامي.
كثيرا ما نسمع المشاهير أو السياسيين يصرحون بأنه تم تحريف تصريحاتهم وتحويل كلامهم إلى استنتاج شخصي، ودمجه بطريقة تثير البلبلة؛ لأن البعض يفهم الإعلام فضائح ومشاكسات وتغير في الهدف والنوايا، فيعمل الصحفي على أن يغير الكلمة من ذوقه ويمنحها أبعاده، ويسير بها نحو هدف يرغب به، ومن المعروف أن لغتنا واسعة وكلامنا يقبل التأويل، هنا على كلّ إعلامي أن يعرف ما هو دور الإعلام وغايته.
من حق الإعلام أن يشير إلى الأخطاء، لكن ليس من حقه أن يضخمها، من حق الإعلام أن يتابع ويستقصي ويبحث ويسأل، ولكن ليس من حقه أن ينشر كلاما لا يأخذ موافقة مسبقة من صاحبه على نشره، أول شرط في عمل الإعلامي الأمانة؛ لأن من الناحية الفنية، أي شيء يُرسل عمدًا لمراسل أو مصدر إعلامي يعتبر بيانا صحفيا وهو معلومات يتم التصريح بها عن طريق إرسالها لوسائل الإعلام، أما غير ذلك فهو غش وتحريف إعلامي يجب أن يطال من اقترفه قانونيا.
هذا ما يضع الإعلام العربي أمام مواجهة أزمة حقيقية، فالأزمة أزمة موضوعية وقدرة على التخلص من الانطباعية لتمكن من نقل وجهات نظر متعددة ومختلفة بأمانة ومعايير واحدة لتحقيق الغاية التي هي نقل الصورة الواقعية للحدث أو التصريح، وليس الانطباعية التي تقوم على مشاعر الإعلامي الذي يشعر أنه طرف، وهنا تكمن مسؤولية الإعلام الذي لا يجب أن يعمل بدون خطط وأهداف واضحة، فنحن نعلم أن الإعلامي إنسان قد تغلبه مشاعره وقناعاته.
فلنتوقف عن الإساءة لمهنة راقية غايتها الارتفاع بمستوى الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي، ولنتوقف عن تخريب مجتمعاتنا عن طريق العمل وفق أمزجة شخصية ومنطق ضيق لا يجيد تدوير الزوايا ولا يدرس حاجة مجتمعه.
فمعظم الإعلام اليوم لم يعد يتمتع بالنزاهة المطلوبة؛ لأنه بات إما إعلاما سياسيا أو إعلاما تسويقيا تجاريا، وضاع الفاصل بين الإعلان والإعلام وغرقنا في فوضى وراح كل يتملص من مسؤولياته ويتصرف وفق انطباعيته.
الإعلام وبما يمثله من سلطة رابعة يجب أن يكون عين المجتمع وضميره فيكفل حرية التعبير عن الرأي، بمعادلة توازن بين الحاجة إلى حرية التعبير ومساحة التعبير الواجب منحها للمجتمعات، وبين الالتزام بالضوابط القانونية والأخلاقية للمهنة تفاديا لحدوث الفوضى الإعلامية التي سيدفع ثمنها المجتمع غالبا.
رندة صادق- عمان اليوم-