في حملة وصفها مقربون من الحكومة والرئاسة التركية بـ«المنظمة»، تشن وسائل إعلام سعودية مقربة من السلطة حملة إعلامية واسعة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، تصاعدت منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف الشهر الماضي، في تحول فتح الباب واسعاً أمام تكهنات بأن تفجر هذه «الحملة» خلافات سياسية عميقة بين أنقرة والرياض.
وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية التركية لم يصدر عنها أي اتهام أو تصريح حول هذه «الحملة»، إلا أن كُتابا مقربين منها رأوا فيها هجوماً مباشراً على أردوغان من خلال وسائل إعلام معروف خضوعها بشكل كامل للسلطات الرسمية بالمملكة التي تحاول إظهار أنها وسائل إعلام خاصة للتنصل من مسؤولياتها اتجاه الأمر، على حد تعبيرهم.
وشهدت العلاقات التركية السعودية تنامياً متسارعاً منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم، حيث عقدت سلسلة لقاءات بين أردوغان والملك سلمان توجت بتوقيع اتفاقية للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، وبدأ الحديث عن حلف سعودي ـ تركي، إلا أن العديد من المحللين والمراقبين رأوا في هذا الأمر «مبالغة»، معتبرين أن الأمر لن يتعدى تلاقي مصالح في بعض القضايا ومن الصعب الحديث عن تقارب حقيقي بين بلدين بينهما توجهات سياسية مختلفة وخلافات جوهرية في العديد من القضايا الإقليمية.
قناة «العربية» السعودية شبه الرسمية أجرت، الجمعة، حواراً خاصاً مع فتح الله غولن زعيم حركة «الخدمة» الذي اتهمه أردوغان بتزعم «الكيان الموازي» وتنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي كانت تهدف إلى الإطاحة بالرئيس التركي والحزب الحاكم في البلاد منذ قرابة 13 عاماً.
غولن الذي نفى مسؤوليته عن محاولة الانقلاب، شن عبر «العربية» هجوماً كبيراً على أردوغان واتهمه بتدبير «مسرحية الانقلاب» واصفاً الرئيس بـ»الخائن والديكتاتور»، ورأى مغردون أتراك وعرب أن القناة كانت تتعمد الإساءة إلى تركيا وأردوغان من خلال صيغة وطريقة توجيه الأسئلة.
لكن وفي خطوة مفاجئة، حذفت القناة، السبت، المقابلة من على موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن أطلق نشطاء عرب وأتراك وسم «#العربية_تتبنى_فتح_الله_غولن» هاجموا من خلاله القناة والسلطات السعودية لسماحها ببث المقابلة، وشارك فيه العديد من الكتاب والصحافيين والنشطاء السعوديين الذين عبروا عن رفضهم لمهاجمة أردوغان.
الموقع الإلكتروني لصحيفة «زمان» الناطقة باسم غولن، قالت في خبر لها تعقيباً على ذلك: «تراجُع قناة مثل العربية عن نشر مقابلة مع شخص مثل الأستاذ غولن (…) إن دل على شيء فإنه يدل على حجم الضغوطات التي مارسها أردوغان، ولعلها بشكل مباشر، على هذه القناة».
ورأى من خلاله مغردون سعوديون أن هذا العمل «يأتي في سياق حملة من يوصفون بالليبراليين لإفساد العلاقة بين المملكة وتركيا»، على حد تعبيرهم، وطالب آخرون بوقف هذه الحملات خشية حصول حملات تركية مضادة تؤدي إلى خلق أجواء من الاحتقان تؤدي إلى أزمة سياسية حادة بين البلدين.
ومنذ محاولة الانقلاب في تركيا، نشرت العديد من الصحف السعودية سلسلة مقالات لكتاب هاجموا من خلالها الحكومة التركية وسياسات أردوغان.
السفير التركي لدى الرياض يونس دميرر، حاول جاهداً نفي وجود أي خلافات مع السعودية، حيث أشاد بوقوف المملكة حكومة وشعباً إلى جانب تركيا في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، مؤكداً على أن «المواقف الرافضة التي تبنّتها المملكة تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت واضحة وصريحة»، مثمناً «مواقف الإعلام السعودي الذي تابع أحداث محاولة الانقلاب عن كثب».
وفي محاولة أخرى للتقليل من شأن الانتقادات التي وجهتها الصحافة السعودية لبلاده، قال السفير: «الإعلام السعودي أولى اهتماماً كبيراً بالأحداث الدائرة في تركيا، وقمنا بالإدلاء بالعديد من التصريحات ونشر البيانات التوضيحية في مختلف وسائل الإعلام السعودية وعلى رأسها صحيفتا الرياض والحياة»، وهي الصحف ذاتها التي نشرت سلسلة مقالات تنتقد وأردوغان وحكومته.
وعلى الصعيد الرسمي، لم تظهر السعودية «حماساً كافياً» في الوقوف ضد محاولة الانقلاب وإبداء الدعم لأردوغان، بحسب تقييم وسائل إعلام تركية، مقارنة بالموقف القطري الذي تجسد بسلسلة من الاتصالات والزيارات على أرفع المستويات قادها مسؤولون قطريون إلى أنقرة.
ورغم اعتبار أردوغان «اتصالات وزيارات التضامن» معياراً لمعرفة أعداء وحلفاء تركيا، لم يزر أي مسؤول سعودي أنقرة حتى اليوم، واقتصر الأمر على إصدار بيان إدانة لمحاولة الانقلاب واتصال هاتفي من الملك السعودي.
وبينما فسر محللون هذه الحملة بوجود تيار داخل المملكة يحاول إفساد العلاقات بين البلدين، ربط آخرون بين هذه الحملة والتقارب التركي من روسيا وإيران، متوقعين أن تتصاعد «الأزمة الخفية» بين البلدين في حال توصل تركيا وروسيا إلى تفاهمات في سوريا لا تراعي مصالح الرياض هناك.
إسماعيل جمال | القدس العربي-