سعت دولة الإمارات طيلة السنوات الأخيرة، إلى تعظيم حجم استثماراتها في مجال الإعلام, مبرمة العديد من الصفقات لصالح السيطرة على محطات تليفزيونية متعثرة ماليًا، أو الشروع في تأسيس تجارب إعلامية جديدة.
وكان مُمثل الإمارات في هذه الشراكات والاستحواذات، «منصور بن زايد آل نهيان»، أحد أفراد العائلة الحاكمة في أبوظبي، والذي لمع نجمه خلال السنوات الاخيرة، بعد أن توسعت استثماراته في كافة أنحاء العالم.
الأمير الشاب
من بين أولاد «زايد بن سلطان»، مؤسس الإمارات، وأول حاكم لها، برز منصور (46 عامًا)، كواجهة استثمارية للعائلة الحاكمة في أبوظبي، خاصة في مجال الإعلام.
وعزز «منصور» اسمه بين كبار المستثمرين في سوق «الميديا»، بصفقات استحواذ ضخمة، جعلته أشبه بالحافظة الاستثمارية التي تسعى لتأسيس أذرع إعلامية في كُل دولة من دول العالم، وتتأهب وراء كُل قناة تليفزيونية تتعثر ماليًا لشرائها لحسابه.
وبحسب المنشور على الموقع الإلكتروني لوزارة شؤون الرئاسة الإمارتية، فإن منصور بن زايد، تلقّى تعليمه العام في مدارس أبوظبي، ونال درجة البكالوريوس في تخصص العلاقات الدولية، من الولايات المتحدة الأمريكية، عام1993، قبل أن يتدرج في المناصب الحكومية، عقب عودته من أمريكا، وذلك بتعيينه رئيسًا لمكتب والده زايد بن سلطان آل نهيان.
وتنوعت المناصب التي شغلها بعد ذلك، ما بين توليه منصب وزير شؤون الرئاسة، ورئيس صندوق أبوظبي للتنمية، ورئيس مجلس إدارة جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، ونائب رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، وعضو المجلس الأعلى للبترول، وكذا عضو مجلس إدارة جهاز أبوظبي للاستثمار.
وقد اكتسب منصور زخما كبيرا، عبر صفقات الاستحواذ على المحطات الفضائية، وتمويل المنافذ الإعلامية الجديدة.
وكان بدأ في الظهور عام 2008، مع تداول اسمه في وسائل الإعلام العالمية، بعد شرائه كافة أسهم نادي «مانشستر سيتي» الإنجليزي، اضافة إلى شغله المرتبة الأولى ضمن قائمة رؤساء الأندية الإنجليزية من حيث الثروة المالية، حيث بلغت ثروته 20 مليار جنيه إسترليني.
يُمثل منصور بن زايد الحافظة الاستثمارية للإمارات في الإعلاموتقع تحت سيطرة منصور عددا من المحطات التليفزيونية، كممول مُعلن عن هويته بشكل علني، وكمُمثل لدولة الإمارات في الشراكات الكبرى مع المؤسسات الإعلامية الكُبرى، ، فيما تسري شائعات وأخبار مُجهَّلَة عن أن إمبراطورية بن زايد الإعلامية، مُمتدة إلى ما هو أبعد من المُعلن عنه؛ لتشمل مواقع إخبارية في الأردن، وتمويل بعض الصحف اللبنانية، والتوسع بشكل غير مسبوق في تمويل الصحف العربية الصادرة من العاصمة البريطانية لندن، خاصة تلك التي تعيش وقائع أزمة تمويل.
1- الغد العربي
أولى المشاريع التليفزيونية، التي أطلقها الأمير الشاب، هي تليفزيون الغد العربي، الذي انطلق كمحطة بث تجريبي، وقناة منوعات، يغلب على محتواها التغطية الإخبارية، عبر مكاتب في القاهرة وبيروت، وتتخذ من لندن مقرًا رئيسًا.
ويتمثل الهدف الأساسي لمنصور بن زايد، من وراء إطلاق هذه القناة، مواجهة مد الحركة الإسلامية في الفضاء الإعلامي، وتأسيس نافذة إعلامية، تكون صوتًا للسلطات الإماراتية في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين تحديدًا، والتي تضعها الإمارات على قائمة المنظمات الإرهابية. يُضاف إلى ذلك، مقابلة خصوم الإمارات الإعلامية، وعلى رأسها شبكة الجزيرة الفضائية.
واتساقًا مع السياسة التحريرية لقناة الغد العربي، دفع منصور بن زايد، بـ«محمد دحلان»، الذي يشغل الآن منصب المستشار الأمني لولي عهد أبوظبي، «محمد بن زايد»؛ كممثل له في إدارة القناة. كما دفع بـ«عبد اللطيف المناوي»، أحد أبرز الوجوه الإعلامية المصرية المنتمية للحزب الوطني المنحل، وذلك بغرض تشكيل خارطة البرامج.
2- قناة الحياة المصرية
على مدار الشهور الماضية، سرت أحاديث هامسة، وأخبار مُجهلة، عن شراء مستثمرين خليجيين لمجموعة قنوات الحياة الفضائية المصرية، التي تمر بأزمات مالية متتابعة، خلال الفترة الأخيرة، دفعت العاملين بها إلى قطع البث التلفزيوني أكثر من مرة؛ احتجاجًا على عدم دفع رواتبهم.
التطور المُلفت الذي أكد صحة هذه الأخبار المُجهلة، هو التأكيدات المسربة من قبل عدة وسائل إعلام مصرية، بالكشف عن هوية المستثمر الخليجي، وهو منصور بن زايد، الذي تقول مصادر: إنه استحوذ على نحو 55% من أسهم الحياة، كما أنه أسس لوكالة إعلانية ضخمة، بالشراكة مع رجل الأعمال المنتمي للحزب الوطني المنحل، «ياسين منصور».
3- سكاي نيوز عربية
مثّل منصور بن زايد، الإمارات، كشريك رئيس، في قناة سكاي نيوز عربية؛ إذ تجسدت الشراكة، بين شركتي أبوظبي للاستثمار الإعلامي، المملوكة له، وبين مؤسسة «بي سكاي» البريطانية، مالكة قناة سكاي نيوز الإنجليزية.
وأبوظبي للاستثمار الإعلامي هي شركة استثمارية خاصة، مملوكة لمنصور، تأسست عام 2007، لتحقق نموًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، بملكيتها وشغلها لـ25 علامة تجارية في قطاعات التلفاز والراديو والنشر والإعلام الرقمي، إلى جانب كونها شريكًا بـ50% لقناة «سكاي نيوز عربية».
وللشركة شراكات ضخمة، مع كبرى شركات الإنتاج الإعلامي حول العالم، فمن بين شركائها، شركة «ڤيڤو» لخدمة الموسيقى والفيديو والترفيه، ومجموعة «يونيفرسال ميوزيك»، وشركة «سوني ميوزيك إنترتينمنت»، اضافة إلى شراكتها مع شركة «إيمج نيشن أبوظبي»، و«هيئة التطوير الإعلامي السنغافورية»، وذلك بقيمة 75 مليون دولار أمريكي؛ بغية إنتاج عدد من الأفلام.
ومن ضمن الشركات التي أسستها شركة أبوظبي للإعلام، هي شركة «إيمَاجنيشن»، التي أطلقت عقود شراكة مع أشهر شركات الإنتاج السينمائي الأمريكية والعالمية؛ بهدف تطوير وإنتاج مواد سينمائية وإعلامية متميزة وتوزيعها في الأسواق العالمية.
هيكل ميديا».. كيانات إعلامية اقتصادية: وهي شركة تأسست عام 2004، وهي ايضا الناشر لموقع «الاقتصادي. كوم» المتخصص بالأعمال والشركات، وكذا مجلة «هارفارد بزنس ريفيو» العربية، وموقع «الاقتصادي فلسطين»، وموقع «الاقتصادي لندن».
وتمتلك شركة «هيكل ميديا»، مكاتب في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وكذلك في كل من بيروت ودمشق، مع وكلاء في جدة، والدوحة، والقاهرة، و لندن.
ويعد الإعلام أحد أبرز الأسلحة التي تحرص دولة الإمارات على السيطرة عليها من خلال المال السياسي، وشراء الولاءات، وذلك في إطار تنفيذ سياساتها بالسيطرة على منافذ القوة بالعالم العربي، وتوجيهها وفقا لأجندتها السياسية، التي تحارب الإسلام السياسي وتقف بقوة في وجه ثورات «الربيع العربي»، وفي الوقت نفسه تدعم وتساند الثورات المضادة والانقلابات العسكرية على الديمقراطية الوليدة بالوطن العربي.
وفي هذا الإطار كشفت عدة تقارير صحفية، وشهادات لإعلاميين عرب ومصريين، عن كيفية سيطرة الإمارات على الإعلام المصري، كان آخرها ما كشفه الكاتب المصري «محمود رفعت»، رئيس «المعهد الأوروبي للقانون الدولي»، عن دور قادة عسكريين مصريين، في تمكين الإمارات من الإعلام المصري، وكيف أنقذ التمويل الإماراتي الفضائيات المصرية من الإفلاس، بالإضافة لكشفه دور القيادي المفصول من حركة «فتح، «محمد دحلان»، مستشار ولي عهد أبوظبي.
وانضمت لتلك الشهادة شهادة الناشط المصري «وائل عباس»، حول محاولة الإمارات شرائه للهجوم على النظام المنتخب في مصر عام 2013/2012، بالإضافة لشهادات أخرى تكشف عن أسرار هذا التمويل.
وعرض «رفعت كيف» قامت الإمارات بالسيطرة على الإعلام المصري، من خلال قوات في الجيش والمال السياسي، واستغلالها في تحقيق أجندتها في المنطقة.
ونقل «رفعت»، في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، صورة لـ«محمد دحلان»، مستشار ولي عهد أبوظبي، وهو يترأس مجموعة من الإعلاميين المصريين في إحدى الصحف المصرية، قائلا: «إن صورة محمد دحلان على رأس الطاولة كرئيس ومن حوله الإعلاميين المصريين كمرؤوسين، تلخص المشهد».
وأضاف «رفعت»: «الإمارات بدأت في اقتحام مؤسسات مصر في 2012، على محورين، هما الجيش والإعلام، وسرعان ما نجحت بفضل (دلاديل) الجيش وساقطي الفضائيات».
وأشار إلى دور عدد من الشخصيات البارزة المحسوبة على المؤسسة العسكرية المصرية، في تمكن الإمارات من السيطرة على مصر، قائلا: «كان لأحمد شفيق دور كبير لتمكين الإمارات، فهو من بدأ الاتصال بقادة الجيش، خاصة عبدالفتاح السيسي وصدقي صبحي رئيس الأركان وقتها، ووزير الدفاع الحالي، لافتا لاستجابة قادة الجيش لدعوة شفيق، وبدء توافدهم على الإمارات في 2012 و2013 بحجة الاشتراك في معارض السلاح هناك، وكان توافدهم للتنسيق وأخذ الأموال».
ولفت رئيس المعهد الأوروبي، إلى انتهاء دور «شفيق» وتهميشه من قبل الإمارات، قائلا: «تم تهميش أحمد شفيق لاحقا، بتعليمات من توني بلير أحد من استعانت بهم الإمارات، وظهر بداية عهد السيسي في مصر، حيث روج الإعلام أنه مستشارا للسيسي»، موضحا أن «دحلان» حل محل «شفيق» بتعليمات من «توني بلير»، بسبب سيطرته التامة على «محمد بن زايد» وغياب الرئيس «خليفة بن زايد».
أبواق إماراتية لمهاجمة السعودية
وقال الإعلامي والأكاديمي السعودي المعروف «مالك الأحمد»، إن الإمارات تنفق ملايين الدولارات لتمويل الإعلام المصري للهجوم على المملكة، ومحاربة التيارات الإسلامية.
وأشار مراقبون إلى أن المملكة العربية السعودية تتعرض لحملة إعلامية عنيفة ممنهجة ومسيسة، في محاولة مكشوفة لزعزعة موقعها الإسلامي والعربي والدولي، منذ تولي العاهل السعودي الملك «سلمان» مقاليد الحكم.
ويري الكثير من المراقبين والمحللين، أن هذا الهجوم غير المبرر والمتزايد، كشف تورط دولة الإمارات في شن حملات وتوجيه انتقادات وشراء صحف وولاءات للإساءة للمملكة، وتشويهها لمجرد اختلاف في الرؤى بين البلدين إزاء بعض القضايا الإقليمية، وبالأخص الموقف من سوريا واليمن.
ساسة بوست-