أسس حظر النفط عام 1973م لقرارات وقوانين استراتيجية تعجّل بالاستغناء عن النفط العربي، الألم الذي تجرعه المواطن الغربي جراء شح الوقود لا يراد له أن يمحى من الذاكرة. عامة الناس لا يعرفون سبب القرار السعودي، ولكنهم عاشوا أثره. النخب يعون مبعث الحظر، ويتاجرون بنتائجه. والمستفيد كان بدون منازع إسرائيل.
هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي على الولايات المتحدة الأميركية صبيحة 11 سبتمبر 2001م شكل منعطفا خطيرا آخر في العلاقات (الإسلامية) السعودية (المسيحية) الغربية. ومرة أخرى عامة الناس لا يجادلون فيما حدث والمستفيد منه، والنخب يدركون الحقيقة ويبتزون المملكة بها. المستفيد من شيطنة المملكة هم بدون شك الإسرائيليون، والإيرانيون، واليمين المتطرف.
اعترف Gideon Rachman في صحيفة فايننشال تايمز في ديسمبر 2015م أن هناك "شيء يتغير في علاقة الغرب مع السعودية. يمكنك أن تقرأ ذلك في الصحف، وسماعه من السياسيين، كما يمكنك أن تراه في التحولات السياسية". ولاحظ أن المقالات العدائية ضد السعودية أصبحت شأنا معتادا في الإعلام الغربي، واستشهد بافتتاحية صحيفة The Observer التي اعتبرت أن التحالف مع السعودية يعرض أمن بريطانيا العظمى للخطر. ونقل عن الأميركي توماس فريدمان قوله إن الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش ولشكر طيبة وطالبان هي" ذُرّية الفكر السعودي".
عدّد راشمان أسبابا للحملة العدائية والتغير الغربي تجاه السعودية ومن ذلك تراجع أهمية النفط مع الاكتشافات النفطية في أميركا، وجدوى النفط الصخري، وتصدي السعودية للربيع العربي وبخاصة في البحرين. ولا يخفي الكاتب أن بعض المفكرين الاستراتيجيين في الغرب يُخيل لهم أنهم قد يستبدلون السعوديين بالإيرانيين (في مجال الدين والنفط). ويختم الكاتب مقالته بأن الوقت قد حان ليختار السعوديون بين "الموافقة على فتح الكنائس والمعابد البوذية، واليهودية، أو مواجهة نهاية دعم السعودية للمساجد في الغرب". الواقع أن الكاتب لو أراد الإنصاف لقال بأن مشكلة الإعلام الغربي وبعض سياسييه هي مع الإسلام كدين، ومع رمزية السعودية للدين، ومع النفط كقوة اقتصادية تجعل المملكة قادرة على التحدث باسم الدين.
وحتى يقوض ركنا القوة السعودية فلا بأس من استخدام حقوق الإنسان كمنتج له جاذبيته و"زبائنه". يرى 72%، و74%، و75%، و77%، و81%، و86% من الأمريكيين، والكنديين، والألمان، والإيطاليين، والفرنسيين والإسبانيين على التوالي أن المملكة تنتهك الحريات الشخصية لمواطنيها؛ حسنا ما هو معيار الانتهاك؟ هناك تسميم للرأي العام بنتائج استطلاعات مضللة؛ احدى الدراسات المسحية في مطلع عام 2016م أعلنت أن 59% من الأتراك، و52% من اللبنانيين، و83% من الإسرائيليين لا يحملون انطباعات إيجابية عن السعوديين، على عكس 76% من الأردنيين، و51% من الفلسطينيين الذين يحملون انطباعات إيجابية.
الإعلام الغربي يقصف أهدافا رخوة تصعب البراءة أو الإدانة فيها، ولكنها مادة مثيرة تستدر الألم، وتستدعي الصراع الحضاري، ومن ذلك الزعم بتبني المملكة (كدولة) نمطا من الإسلام المتطرف المسمى "الوهابية"، وأنها مركز السلفية الجهادية التي فرّخت التنظيمات الإرهابية، وأنها تنفق عوائدها النفطية على تمويل الإسلام المتشدد حول العالم. كما تضم قائمة التضليل الاتهام باستخدام النفط لتركيع المنافسين.
ما يروج عن السعودية ليس معلومات خاطئة فحسب بل هو عكس اليقين تماما. ولنفترض أن الرأي العالم الغربي تلقى خطابا يطمئنه بأن السعودية بلد مسلم، يحارب الإرهاب ضمن التحالف الدولي، ومنذ زمن طويل يلعب دور المنتج المرجح في أوبك بما يوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين، وأن ملف السعودية في مجال حقوق الإنسان يتقدم للأحسن. كيف -والحال هذه- يستطيع الإعلام والنخب السياسية تجهيل الرأي العام بسهولة؟
بعيدا عن نظرية المؤامرة، فإن الإعلام لابد أن يبيع، والساسة لابد أن يحشدوا الأصوات الناخبة، ولذلك فلا غرابة أن تكون هذه القضايا حاضرة في الخطاب الجماهيري. ولكن كيف يبررون الانتقائية؟ فإيران مثلا دولة دينية ثيوقراطية ينص دستورها على الطائفية وعلى الجهاد العالمي وتصنف ميليشياتها الإرهابية مجاهدة، فلماذا يُغض الطرف عنها؟ كما أن سجل الصين وإيران في حقوق الإنسان فظيع جدا. ومع ذلك تبقى السعودية هي محور التركيز والاستهداف.
الركيزتان الأساسيتان للأمن الوطني هما الدين والنفط. الدين الذي أعنيه هو الذي نزل على محمد بن عبدالله، وليس على ابن تيمية ولا ابن جماعة، ولا ابن عربي. هو دين سماه الله الإسلام وليس السلفية ولا الأشعرية ولا الصوفية.
أي جهد سعودي يستبعد أو حتى يحيد الدين والنفط في تحسين صورة المملكة إنما هو تدليس وهدر للوقت والمال. فالرأي العام الذي يتم حشده ضد المملكة عليه أن يعرف بأن السعودية بلد الحرمين وموطن الرسالة، ومرجعية المسلمين جميعا، وأن يطمئن في ذات الوقت بأن المملكة تتعاون مع دول العالم في مكافحة التطرف والإرهاب أيا كان مصدره. كما أن النفط نعمة من الله، وليس منة من أحد، وأن المملكة تعتمد سياسة التوفيق بين مصالح المنتجين والمستهلكين. الوصول بهذه الرسالة إلى الرأي العام الغربي سوف يخفف من حدة التضليل الذي تمارسه النخب عليه.
عبدالله موسى الطاير- الرياض السعودية-