الخليج اونلاين-
بوتيرة متسارعة بدأت التغييرات في السعودية تشمل مختلف المجالات وأهمها، لا سيما الاقتصادية والأمنية؛ من خلال تغيير المسؤولين والقادة، وذلك مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، فيما لم تغب تلك التغييرات عن القطاع الثقافي والمجتمعي.
بن سلمان برر، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مؤخراً، التغييرات الكثيرة والسريعة التي اتخذها؛ لكونه يخشى أن يموت دون أن يحقق ما يدور في ذهنه.
وكان أحد أغرب وأخطر الإجراءات التي اتخذها بن سلمان اعتقال عدد كبير من الأمراء والوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال، في 4 نوفمبر الجاري، على خلفية تهم بالفساد.
وسبق هذا إعلان بن سلمان عن مدينة جديدة ضخمة يُخطط لها أن تكون في شمال غربي السعودية، أُطلق عليها "نيوم"، قال بن سلمان إنها تضاهي كبريات المدن الأوروبية.
وفي إشارة إلى عدم قدرة المدينة العصرية الجديدة على الإنجاز تحت ظل القوانين السعودية، كشف بن سلمان أنها ستخضع لأنظمة وتشريعات مستقلة عن المملكة، فضلاً عن المسائل السيادية، "وفق أفضل الممارسات العالمية التي تُصاغ من قِبل المستثمرين ومن أجل المستثمرين".
- انفتاح كبير بحاجة لماكينة الإعلام
خطوة بن سلمان هذه سبقتها خطوات غريبة عن المجتمع السعودي، إذ لفت في وقت سابق إلى أن المرأة في السعودية تعاني حرماناً في حقوقها، وأيضاً المجتمع يعاني ضغوطاً ويجب إزالتها، فكان أن حصل لاحقاً السماح للمرأة بقيادة السيارة، والتعامل مع هيئة الأمر بالمعروف بشدة في بادرة لإلغائها، حيث جرى اعتقال المسؤولين فيها.
بن سلمان كان أيضاً تحدث حول ضرورة تغيير التوجه الديني في البلاد، وتوعد بالقضاء على ما سماه "بقايا التطرف" في القريب العاجل، مضيفاً: "اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه"، في إشارة إلى اعتقال مجموعة من كبار الدعاة السعوديين.
خطوات الأمير الشاب تشير إلى انفتاح كبير ستشهده السعودية، على خلاف ما عرفت به، لا سيما أنها تمثل مهبط الوحي، وتحمل من رمزية دينية عظيمة بالنسبة إلى المسلمين في كل أصقاع الأرض، وكان قد قال بنفسه في لقاء سابق إن المجتمع السعودي غير مهيأ لتغييرات مثل قيادة المرأة للسيارة.
التغييرات- بحسب ما يبدو- ستشمل وسائل الإعلام؛ لما لها من تأثير كبير على المجتمع، وعلى إقناع أفراده بأفكار ولي العهد، فكان أن صدر قرار من قبل وزير الثقافة السعودي، عواد بن صالح العواد، الاثنين 27 نوفمبر 2017، بنقل الإعلامي المعروف داود الشريان من قناة "إم بي سي" ليتولى منصب الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون.
- الشريان الإعلامي الجريء
الشريان الذي بدأ عمله في الإعلام من خلال الصحافة في سبعينيات القرن الماضي، ذاع صيته كثيراً في برنامجه الجريء "الثامنة" الذي انطلق من خلال قناة "إم بي سي" السعودية في 2012، واستمر على مدى خمس سنوات، حقق من خلالها شهرة واسعة.
في برنامجه، تجاوزت جرأة الشريان العديد من الخطوط الحمراء، ودخل ساحات خطرة في السعودية مسلطاً عليها الضوء، وعُرف بخطه المائل إلى التغيير والتجديد.
"إم بي سي" التي أعلنت في بيان لها، الأحد 26 نوفمبر الجاري، إسدال ستار برنامج "الثامنة"، أشارت إلى أن أكثر من 3756 ضيفاً حاورهم الشريان في برنامجه، كان على رأسهم الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد في اتصالٍ هاتفي، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وبينت أن البرنامج طرح آلاف القضايا والمواضيع، مسلطاً الضوء على مختلف نواحي الحياة السياسية، والاقتصادية-الاجتماعية، والبيئية، والخدماتية، في المملكة.
وقالت إن أبرز القضايا التي ناقشها البرنامج تمثّلت في آفة الإرهاب، والتعليم، والصحة، والمستثمرين الشباب، وقصص مؤثرة لأبناء حُرموا من رؤية أمهاتهم ضمن مشاهد حقيقية حفرت صورها في وجدان المشاهدين وعقولهم.
من جانبه، أشار الشريان، بحسب البيان، إلى أن "البرنامج نجح منذ أول حلقاته في تجسيد الأهداف التي رُسِمت له".
وأضاف: "عندما انطلق البرنامج لأول مرة، اعتمدنا على القاعدة المهنية القائلة: "تَلْفِزْ الناس.. يشاهِدْك الناس". هكذا نجحنا في تحويل "الثامنة" إلى برنامج جماهيري بامتياز، ببساطة لأنه احتوى الجميع، ولم يتوجه حصراً إلى فئة بعينها أو شريحة مجتمعية دون سواها".
من خلال الشريان يحاول القائمون على الإعلام في السعودية أن يوجهوا بوصلة التلفزيون السعودية نحو وجهة جديدة، لا سيما أن التلفزيونات الأخرى، سواء المحلية أو العربية، سحبت بساط المتابعين السعوديين من تحته، خاصة مع الانفتاح الواسع الذي تشهده هذه المحطات.
- الشريان وتاريخ التلفزيون السعودي
بدأ البث الرسمي لقناة المملكة العربية السعودية في 7 يوليو 1965، وكان الإرسال على قناة واحدة، فيما بدأ البث الرسمي الملون لأول مرة في جدة ومكة المكرمة عام 1974، وتلاه في مدينة الرياض بتاريخ 1977، ثم باقي محافظات المملكة.
في مايو 2012، أقر مجلس الوزراء تحويل التلفزيون السعودي والإذاعة السعودية إلى هيئة عامة، تسمى هيئة الإذاعة والتلفزيون، لتصبح هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية.
وعلى مدى عقود خمسة بقي التلفزيون السعودي ملتزماً بكونه تلفزيوناً محافظاً، يقدم برامج ومواد إعلامية تمثل توجه الحكومة السعودية، مع الاهتمام بكونه يبث من أرض الحرمين.
وبحسب ما أوضحت التغييرات التي طالت مفاصل عديدة بالسعودية، وفقاً لما أعلن محمد بن سلمان عن رغبته بالتغيير، فإن للإعلام نصيباً من هذا التوجه.
وتبين ذلك بخطوة أولى دشنها التلفزيون السعودي مطلع أكتوبر الماضي، إذ بدأ ببث أغاني أم كلثوم، المطربة الراحلة، وهو ما أثار جدلاً شعبياً ونخبوياً واسعاً في المملكة بين رفض وقبول.
أم كلثوم تكون بذلك قد فتحت الباب لعودة الغناء النسائي بقوة إلى شاشات القنوات التلفزيونية السعودية، بعد فراق لثلاثة عقود، الذي لاقى ترحيباً كبيراً من طبقة سعودية واسعة، هي ذاتها التي ترتجي من داود الشريان إضافة لمسات مهمة على التلفزيون الرسمي، بحسب ما عبّرت عنه وسائل إعلام السعودية، وبذلك تتحقق رغبة بن سلمان بتغيير إعلامي واسع، ربما يكون أولياً حين يبدأ من التلفزيون الرسمي.