تايمز أوف إسرائيل- ترجمة زياد محمد -
ظهر عنوان في صحيفة الشرق الأوسط العربية يسأل القراء: «هل تقف مع إيران أم إسرائيل؟».
وكاتب المقال هو «عبدالرحمن الراشد»، وهو محرر متمرس للمنشورات التي ترعاها الحكومة السعودية، وتعد صحيفة الشرق الأوسط واحدة من أكثر الصحف العربية احتراما.
وكتب «الراشد»: «إنه سؤال محرج ، يتناقض مع المفاهيم الأساسية لثقافتنا السياسية»، ومع ذلك، أكد «الراشد» أن إعادة التفكير في العلاقة السعودية مع الدولة اليهودية أصبح لا غنى عنه.
ومع ظهور العلاقة بين السعودية و(إسرائيل) أمام أعين العامة، تجري وسائل الإعلام السعودية نقاشا حادا حول التطبيع مع الدولة اليهودية، وذلك باستخدام المقالات، و«تويتر»، ومقاطع الفيديو الشعبية.
مغازلة دبلوماسية وإعلامية
لطالما كانت العلاقات بين (إسرائيل) وحكومات الخليج الملكية المتحفظة هي أسوأ سر يتم الحفاظ عليه في الشرق الأوسط، لكن في الأشهر الأخيرة، أبدت الحكومات على جانبي البحر الأحمر مؤشرات علنية متزايدة للتوافق، من التوافق الدبلوماسي المعلن مع مصر إلى تغريدات «تويتر» الداعمة لحق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها الصادرة من البحرين.
ويبدو الخوف المشترك من القوة الإيرانية بالإضافة إلى صعود الإصلاحيين في السعودية، ورغبة النخب في تجاوز القضية الفلسطينية، قد مهدت الطريق لعهد جديد، وفقا لما قاله «سايمون هندرسون»، وهو مراقب ومحلل للشأن السعودي في معهد واشنطن للشرق الأدنى.
ويعتبر مهندس هذا التحول هو ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، والذي عرف بالكثير من هذه المغازلات الدبلوماسية رفيعة المستوى، وقال «هندرسون»: «يعتبر محمد بن سلمان القضية الفلسطينية كواحدة من القضايا التي تسوي العلاقات مع إسرائيل بيد أنها لم تعد ذات أهمية قصوى، بقدر القضية الأهم وهي إيران».
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «ذي أتلانتيك» مع «بن سلمان»، بدا أنه يؤكد حق (إسرائيل) في الوجود، مخبرا الصحفي «جيفري غولدبرغ» أن الإسرائيليين «لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة».
ربما يكون تصريح «بن سلمان» قد فاجأ المراقبين الغربيين، لكنه غرق دونما أثر في وسائل الإعلام السعودية التي تديرها الدولة، وباستثناء موقع خليجي واحد هو «الخليج الجديد»، لم يكن هناك أي منفذ سعودي يتحدث عن بيانه بخصوص (إسرائيل) في عناوينه الرئيسية.
نشرت بعض الصحف ترجمات للمقابلة، لكن بتركيز مختلف نوعا ما عن العديد من المراقبين الإسرائيليين؛ فقد نشرت صحيفة «عكاظ» السعودية، عنوانا رئيسيا يقول: «محمد بن سلمان: إيران والإخوان والإرهاب هم مثلث الشر»، أما صحيفة «الرياض» اليومية الاقتصادية التي تقرؤها نخبة رجال الأعمال، فكان عنوانها: «بن سلمان يعلن أنه لا يوجد شيء اسمه الوهابية».
أما بالنسبة لاعتراف «محمد بن سلمان» بحق (إسرائيل) في الوجود، فإن الصياغة العربية تركت مساحة للتأويل. وقالت كلتا الصحيفتين إن «بن سلمان» قال إن «الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم الحق في أرضهم الخاصة»، وكلمة «أرض» باللغة العربية يمكن أن تشير إلى الملكية الخاصة للأفراد بدلا من الحق الوطني في وطن أو دولة.
ولكن بغض النظر، فإن المراقبين الغربيين ليسوا وحدهم الذين يستشعرون المشهد الإعلامي المتغير.
فقد اتهم الصحفي السعودي «محمد الجوهري» في تقرير لموقع «الخليج الجديد»، ما وصفها بـ«الأسلحة الإعلامية لبن سلمان» بـ«وضع الأساس للتطبيع مع إسرائيل»، وحذر مما وصفه بـ«عقال مزين بنجمة داود».
وكتب «الجوهري» قائلا: «قامت كتيبة كاملة من الكتاب السعوديين بتجنيد أقلامهم لهذه المهمة: تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل».
تحول الإعلام الحكومي
تمتلك السعودية مشهدا إعلاميا معقدا، حيث تمارس الحكومة سيطرة كبيرة على الصحافة، وتشمل أبواق الحكومة «وكالة الأنباء السعودية»، وموقع «أراب نيوز» الإنجليزي، وقناة «العربية».
هناك أيضا جرائد ثقافية مثل الشرق الأوسط والحياة، التي تملكها السعودية وتؤثر عليها لكنها ليست دمَى حكومية تماما، وهناك أيضل الصحف الشعبية، مثل «عكاظ»، التي تحظى بشعبية كبيرة ومملوكة بشكل مستقل.
وقال «هندرسون»: «جميع وسائل الإعلام السعودية تسيطر عليها الحكومة أو تؤثر بها الحكومة، على سبيل المثال تعكس منصة أراب نيوز بشكل مباشر حملة العلاقات العامة لولي العهد، هذه الحملة تؤكد الإيجابيات طوال الوقت، ومع ذلك هناك الكثير من الأخبار السيئة عن إسرائيل».
يريد «محمد بن سلمان» من وسائل الإعلام أن تتحدث عن العلاقة الجديدة والأوثق مع (إسرائيل) على أنها إيجابية، وفقا لما يقوله «هندرسون»، وعلى الرغم من التوق إلى زيادة التطبيع الاقتصادي والثقافي، إلا أن الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين لا يزال يشكل عقبة رئيسية.
وتحافظ وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة على خط متماثل بشكل سطحي عند تغطية النزاع، حيث تحافظ القصص الإخبارية والبيانات الصحفية على لهجة خطابية تجاه (إسرائيل)، مثل: «مرتفعات الجولان المحتلة»، و«القدس هي قلقنا الأهم»، وغالبا ما تعرض قناة العربية موادا تنتقد (إسرائيل)، مثل مقطع فيديو في شهر فبراير/شباط يتحدث عن التعريف الشخصي لـ«جنة جهاد»، وهي صحفية فلسطينية شابة وابنة عم الناشطة «عهد التميمي».
يعتقد «هندرسون» مع ذلك، أن التغطية آخذة في التغير، ففي حين أن منافذ مثل «وكالة الأنباء السعودية» و «أراب نيوز» لم تتخذ بعد خطا واضحا، إلا إنهم يحاولون الحفاظ على نهج إيجابي حتى عند تغطية الأحداث الأخيرة في غزة، على حد قول «هندرسون».
قد تشير الإغفالات الصغيرة أيضا إلى استراتيجية حكومية لتحويل انتباه الجمهور عن انتقاد (إسرائيل)، لدينا كمثال الصحفي اللبناني «نديم قطيش»، الذي تنشر مقاطع الفيديو الخاصة به على موقع قناة «العربية»، وقد جعله نشاطه المناهض لـ«حزب الله» ذا شعبية كبيرة في السعودية، حيث تتلقى مقاطع الفيديو الخاصة به على قناة «العربية» مئات الآلاف من الآراء بانتظام.
غير أن فيديو «قطيش» حول الأحداث الأخيرة في غزة، والذي أطلق عليه اسم «مجزرة»، كان غائبا بشكل ملفت من أرشيف «العربية».
في الوقت نفسه، بدأ عدد متزايد من المفكرين السعوديين -والعديد منهم من المؤيدين المتحمسين لولي العهد- في الدعوة علانية إلى التطبيع مع (إسرائيل)، وكثيرون منهم ينشرون مقالاتهم في نفس المنافذ التي تحافظ على الخطابة القاسية إزاء (إسرائيل) في أخبارها.
وقد كتب «حمزة بن سالم»، الصحفي في صحيفة «ذي بينينسولا» السعودية: «إذا كان هناك سلام، ستصبح إسرائيل على الفور الوجهة الأولى للسياحة السعودية».
ويعتبر بعض السعوديين «حماس»، وهي منظمة حصلت على دعم إيراني وكانت حتى وقت قريب فرعا لجماعة ا«لإخوان المسلمون»، عدوا طبيعيا للمشروع السعودي الليبرالي الجديد.
وقال المدون السعودي «منصور الخميس» في تغريدة له: «إيران تلعب لعبة خبيثة في غزة بالتعاون مع حماس، وهي تحشد لإثارة الفوضى».
وأضاف «الخميس» أن مسيرة العودة الكبرى يجب أن يطلق عليها اسم «مسيرة المولوتوف»، في إشارة إلى المتفجرات البدائية التي استخدمها أفراد «حماس» خلال الاحتجاجات الأخيرة في غزة.
وغرد الكاتب «تركي الحمد» الموالي لـ«بن سلمان» قائلا: «بعض الناس قد يظنون أنني ضد النضال الفلسطيني، لكن هذا غير صحيح، لقد عانينا لأجل فلسطين منذ عام 1948، ولكن التنمية متوقفة بالنسبة لفلسطين، تم قمع الحريات بسبب فلسطين، وإذا تم إنشاء فلسطين يوما فستكون مجرد دولة عربية متخلفة أخرى، هذا يكفي».
هناك أيضا الصحفي «هاني الظاهري» من جريدة «عكاظ»، الذي ردد مثل هذه الخطابات، ففي 5 مايو/أيار، نشر مقالة افتتاحية تؤكد أن السعودية لديها الكثير لتكسبه من العلاقات المفتوحة مع (إسرائيل).
وكتب «الظاهري» في «عكاظ»: «لم يؤيد أحد القضية الفلسطينية ماليا وسياسيا أكثر من السعودية، دون النظر إلى امتنان أو شكر من أحد، وفي غضون ذلك، فهمت البلدان العربية والإسلامية الأخرى قيمة العلاقات الدبلوماسية العلنية مع إسرائيل لسنوات عديدة، وهي تتمتع بمئات المليارات من الدولارات نتيجة هذه العلاقة».
وخلص «الظهيري» إلى أنه «يمكننا أن نقول بصوت عال وواضح أنه طالما ظل الفلسطينيون يجلسون على مائدة واحدة مع الإسرائيليين، فلا شيء يجب أن يمنع السعودية من الجلوس والتفاوض معهم أيضا».
الإعلام الشعبي يقاوم
ولكن مع صعود وسائل الإعلام الاجتماعية، أصبح لدى السعوديين خيارات إعلامية أكثر من أبواق الدعاية التي ترعاها الحكومة. فبغض النظر عن الصحافة المملوكة للحكومة، هناك شبكة من المدونين ومستخدمي «تويتر» يستفيدون من وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم تحليلهم الخاص للسياسة السعودية، وينشط أكثر من ثلث أبناء البلاد على موقع تويتر، منتجين أكثر من 150 مليون تغريدة في الشهر.
وبعد وعد «ترامب» المثير للجدل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، ظهر مقطع شعبي على وسائل الإعلام الاجتماعية السعودية عنوانه: «أحقر 10 دعايات إعلامية قام بها كتاب سعوديين للترويج للتطبيع مع إسرائيل»، وضمت القائمة كلا من «الراشد» وكذلك «تركي الحمد».
في الفضاء الإلكتروني، يتم تخفيف قيود الحكومة على حرية التعبير إلى حد ما، ومن المرجح أكثر أن يتحدى السعوديون اتجاه المملكة الجديد، ففي حين أن الصحف الموالية للحكومة كانت متوائمة مع نشر المقالات التي تدعو إلى التطبيع، فإن تويتر السعودي كان أقل تسامحا.
على سبيل المثال، تلقت دعوة «الظاهري» للمفاوضات إدانة واسعة من السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال «أحمد بن راشد بن سعيد»، أحد أشهر مستخدمي «تويتر» في السعودية: «إن البلطجة الصرفة لا تستحق أي رد»، وأضاف مجموعة من الوسوم التي تدعو لرفض التطبيع وتأييد النضال الفلسطيني.