الخليج أونلاين-
مع مرور عام كامل على جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، لا تزال الأوساط العالمية تتساءل عن مكان جثة خاشقجي، وإلى أين وصلت التحقيقات بخصوص من نفذ هذه الجريمة؟
ورغم التوصّل إلى العديد من المعلومات حول كيفية مقتل خاشقجي، ومكان الجريمة وتوقيتها، فإنه لم يصدر أي تصريح حول مكان الجثة، في وقتٍ يتجاهل الإعلام السعودي الإدانات، ويتحدث دوماً عن الإنجازات التي تحققها المملكة في القضية، رغم أن المحاكمة تجري بشكل سري بعيد عن العالم.
أكثر من 10 أشخاص نفذوا الجريمة في مبنى القنصلية السعودية بإسطنبول، بعدما دخلها خاشقجي يوم 2 أكتوبر، لإتمام إجراءات عقد الزواج من خطيبته التركية، لا يزال مصيرهم مجهولاً، وتتكتم السلطات الرسمية عن الأحكام الصادرة بحقهم أو أي من اعترافاتهم.
التغطية الإعلامية السعودية للجريمة
في الأيام الأولى لحادثة اختفاء الصحفي السعودي شهدت القضية اهتماماً إعلامياً واسعاً على المستوى العربي والدولي، لكن مقاربة الإعلام السعودي كانت مختلفة تماماً، وتراوحت بين التجاهل والانشغال بتفصيلات وتشكيكات، لا سيما انتقاد التغطية الإعلامية للحدث، ومحاولة صرف الانتباه.
وكان التعاطي الإعلامي الأبرز في كيل الاتهامات لوسائل إعلام وإعلاميين عرب بشن حملة "مدعومة من قطر" على السعودية.
خط تحريري آخر برز بشكل واضح في هروب الصحف السعودية من مناقشة قضية اختفاء خاشقجي، حين استهدفوا خطيبته خديجة جنكيز التي أبلغت السلطات التركية باختفائه.
أسلوب يتكرر
ورغم مرور عام على ارتكاب الجريمة ما تزال وسائل الإعلام تتعامل بذات الطريقة التي بدأتها منذ الحادثة، فخصصت صفحاتها لمهاجمة المنظمات الدولية والحقوقيين، ووسائل إعلام عربية ودولية، ووصفت ما يحدث بـ"حملة مسعورة ضد المملكة".
وفي ذكرى مقتل خاشقجي الأولى نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية (2 أكتوبر 2019)، تقريراً يتحدث عن إنجازات المملكة المزعومة في التحقيق بالحادثة، وخصصت جزءاً منه للهجوم على "محاولات التسييس وبيانات المنظمات الدولية المسيسة".
وتقول الصحيفة: "غذت المصادر الرسمية التركية وسائل إعلام إقليمية ودولية بكم هائل من التقارير الكاذبة، ما أوقع منصات إعلامية في موقف محرج بعد أن تبين عدم صحتها".
وأضافت: "منذ بداية قضية خاشقجي حاولت جهات دولية معادية للمملكة تسييس القضية، في محاولة حثيثة للإساءة إلى السعودية وقيمها وقادتها، بيد أن (فجر الحقيقة)، والتدابير الجادة التي اتخذتها الحكومة السعودية، أسقطت تلك المحاولات كغيرها".
كالامارد لم تسلم من الهجوم
ولم تسلم المقررة الخاصة المعنية بالإعدام خارج نطاق القضاء في مجلس حقوق الإنسان، أغنيس كالامارد، من هجوم صحيفة "عكاظ"، وقالت إنها أسهمت في "تسييس القضية بإصدار تقرير عن الحادثة".
واتهمت الصحيفة كالامارد، بأنها "معروفة بمواقفها العدائية من السعوديين"، مشيرة إلى أن استنتاجاتها غير محايدة ولا موضوعية، واستندت على معلومات مضللة وكاذبة في أغلبها وأحكام مسبقة تجاه المملكة".
كما وجهت لها اتهاماً بأنها أعدت التقرير الأممي دون تكليف من المنظمة الأممية، مضيفة: "يفتقر إلى أساسيات تحري المصداقية والموضوعية، ومنعدم الحياد، إلا أنه يظهر حجم التسييس الذي لاحق قضية مقتل مواطن سعودي على يد موظفين تجاوزوا صلاحياتهم في أراض سعودية".
وكان أبرز ما تضمنه التقرير الأممي، في يونيو الماضي، أنه وصل إلى استنتاج رئيسي مفاده أن هناك أدلة موثوقة تربط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقتل خاشقجي.
المحاكمة.. والخطوط الرئيسية للجريمة!
وتقول وسائل إعلام سعودية إن التحقيقات في المملكة مع القتلة، تتواصل "من أجل الإجابة عن جميع التساؤلات" المتعلقة بمقتل خاشقجي.
وأوضحت صحيفة "عاجل" في (2 أكتوبر 2019) أن "الجهود المبذولة من قبل جهات التحقيق في المملكة على امتداد الشهور الماضية، مكّنت النيابة من الوصول إلى الخطوط الرئيسية للجريمة".
ولا يعلم ماذا يقصد بـ"الخطوط الرئيسية للجريمة"، رغم أن السعودية لم تكشف شيئاً حتى الآن فيما يتعلق بالجريمة، وكانت السلطات التركية ووسائل الإعلام الغربية هي التي سبقت بنشر كل التفاصيل، التي دفعت بالمملكة إلى تأكيدها دون أي إضافة تذكر.
ومع أن تركيا بين الحين والآخر دعت الرياض إلى الكشف عن نتائج التحقيقات والمحاكمات مع المتهمين، تقول الصحيفة السعودية إنها "تواصلت مع الجهات الرسمية التركية لتزويدها بما لديها من معلومات بهذا الشأن، غير أنها لم تلقَ أي تجاوب".
من جهتها، زعمت صحيفة "عكاظ"، حين نقلت عن "مصادر موثوقة"، أن القضاء السعودي عقد حتى الآن 8 جلسات للنظر في القضية، وقالت إنه "حضرها ممثل لعائلة خاشقجي، وممثلون من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وممثل عن تركيا، وهيئة حقوق الإنسان السعودية، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ما يؤكد أنه ليس لدى المملكة ما تخفيه حيال القضية التي أدانها السعوديون من أعلى الهرم"، وهو ما لم تؤكده أي من الجهات المذكورة.
وأشارت المصادر إلى أن "المملكة زودت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، بتقرير مفصل عن القضية، مؤكدة أن المملكة ستنشر أكبر قدر ممكن من المعلومات حول القضية دون المساس بالقوانين السعودية والإجراءات ذات الصلة".
وأكدت المصادر المزعومة أن "النيابة لا تزال مستمرة في استجواب المتهمين وتسجيل كافة أقوالهم، وتواصل البحث عن أي أدلة وقرائن، وتزويد المحكمة بما يستجد".
المحكمة تبحث عن الجثة!
الصحيفة السعودية أيضاً نقلت عن مصادر وصفتها بـ"الموثوقة" قولها إن "تحديد مصير جثة الصحفي الراحل أحد المحاور الرئيسية للتحقيقات المتواصلة".
وذكرت المصادر، التي قالت إنها فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن "المحتجزين على ذمة القضية أكدوا أن متعاوناً تركياً هو من تولى التخلص من الجثة، مشيرة إلى أن "جهات التحقيق الوطنية طلبت بشكل مباشر ورسمي من المدعي العام في تركيا تزويدها بالأدلة التي لديه حول هذا الموضوع".
هذه الرواية لم تكن جديدة بحسب ما تقول عنها الصحيفة، فقد أقرّت النيابة العامة السعودية خلال مؤتمر صحفي بالرياض، في 15 نوفمبر 2018، أن جثة خاشقجي جرى تقطيعها داخل مقر القنصلية ومن ثم نُقلت إلى الخارج وسُلّمت إلى ما سمته بـ"المتعاون المحلي".
لكن على الطرف الآخر، كانت تركيا قد حسمت الأمر قبل ذلك، حيث قال بيان للنيابة العامة التركية، في 1 نوفمبر 2018، إن الجثة "ربما تكون مُحيت من الوجود أو أُزيلَت"، وهو ما يعيد إلى التداول فرضية تذويب الجثة.
وانتشر الحديث يومها عن توصل الجانب التركي لقناعة بأن جثة الصحفي أذيبت بواسطة حمض هيدروفلوريك في بيت القنصل السعودي، فيما قالت مصادر أخرى لـ"الجزيرة" إن الجثة حُرقت في فرن ضخم أنشئ مسبقاً في بيت القنصل.
الإعلام السعودي و"المصادر المطلعة" و"الموثوقة"
ولعل ما هو مثير للانتباه في الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام السعودية، الاستخدام الدائم لعبارات "مصادر موثوقة"، و"مصادر مطلعة"، في جميع أخبارها المتعلقة بقضية خاشقجي، فيما بدا محاولة من السلطات للتهرب من التفاعل مع القضية التي أخذت حيزاً واسعاً من الإعلام العالمي في ذكراها الأولى.
ويرصد "الخليج أونلاين" بعضاً من الصحف السعودية، والبداية من صحيفة "الرياض"، التي اختارت ذكرى مقتل خاشقجي لتنقل عمن أسمتها بـ"مصادر مطلعة ومتقاربة"، استدعاء حكومة قطر وتركيا لليمنية توكل كرمان، بتاريخ 24 سبتمبر الجاري، في قصر الوجبة بالدوحة، بهدف الاستماع لنتائج لقاءاتها في الاجتماع السابع عشر للحاصلين على جوائز نوبل بالمكسيك.
وفي الفقرة التالية ناقضت نفسها بنقلها عن مصادر أخرى وصفتها بـ"المصادر المقربة من الحكومة القطرية، أن كرمان كُلفت بالمشاركة والتنسيق للحملة المقررة لإثارة موضوع المواطن (جمال خاشقجي) والتشكيك بنزاهة القضاء السعودي".
أما صحيفة "عكاظ" فنقلت عن "مصادر موثوقة" أن القضاء السعودي عقد حتى الآن 8 جلسات للنظر في قضية خاشقجي، مشيرة إلى أن المملكة زودت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، بتقرير مفصل عن القضية.
وفي السياق كانت صحيفة "عاجل" واحدة من الصحف السعودية التي استخدمت أيضاً عبارة "الموثوقة"، ونقلت عنها أن "تحديد مصير جثة الصحفي الراحل أحد المحاور الرئيسية للتحقيقات المتواصلة".
فيما اختارت صحيفة عكاظ "مصادر موثوقة" للدفاع عن موقف السلطة من المحاكمة السرية، في وقت تقول تقارير إنه تم الإفراج عن المعتقلين ولا وجود لمحاكمة أصلاً.
بدورها نقلت صحيفة "المدينة"، عن مصادر "مطلعة ومتطابقة"، أن هناك "ملامح تحرك إعلامي قطري لاستثمار الذكرى الأولى لوفاة خاشقجي في قنصلية بلاده، وذلك من خلال عمليات تنسيقية مع عدد واسع من الإعلاميين ضد السعودية".
وعلى الرغم من أهمية هذه القضية التي شوهت سمعة المملكة عالمياً فإن التغطية الإعلامية كانت محدودة، وتقول قناة "بي بي سي" على موقعها الإلكتروني إن وسائل الإعلام السعودية كشفت عن معلومات قليلة عن المحاكمة من قبيل أن أول جلسات المحاكمة عقدت، وأن المتهمين الأحد عشر حضروا الجلسة، برفقة محاميهم.