الخليج أونلاين-
حالة من الصدمة وجلد الذات والارتباك باتت تتصدر المشهد النخبوي الإماراتي؛ بعد الفشل المتواصل للإعلام على مختلف أشكاله في التعامل مع الأزمات التي تعصف بدولتهم، وخاصة ما كشف عنه مؤخراً من تصدير الإمارات لمنتجات مغشوشة للسعوديين، وما كشفته وكالة "رويترز" حول فضيحة التجسس الإماراتية.
وتقاذفت النخبة الإماراتية التهم حول سبب الفشل في التعامل مع أزمة المنتجات المغشوشة الأخيرة، وقضية التجسس، والوصول لحالة من النزاع وتبادل الشتائم، وتهديدات بالذهاب إلى القضاء، ورفع دعاوى قذف وتشهير.
وعكست حالة الشرذمة التي شهدها الإعلام الإماراتي حالة الغضب وعدم الرضى من قبل مسؤولي الدولة حول أداء إعلام بلادهم، رغم الإمكانيات المالية الهائلة التي سُخرت لهم، وتخصيص ميزانيات مفتوحة لهم، وافتتاح منصات إعلامية جديدة.
وخلال حملة مقاطعة المنتجات الإماراتية التي أطلقها السعوديون بعد كشف بيع الإمارات مواد غذائية واستهلاكية مغشوشة لهم، وفضيحة التجسس التي كشفتها "رويترز"، في (10 ديسمبر)، وتورط ولي عهد أبوظبي، خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، بالقضية، تابع "الخليج أونلاين" طريقة تعامل الإعلام الإماراتي مع هذه الأزمات، فكان مرتبكاً صامتاً، مع محاولة شيطنة الحملة السعودية من خلال ربطها بقطر.
وعمل الإعلام الإماراتي خلال الحملة السعودية الشعبية على محاولة اقناع السعوديين بأن قطر تقف خلفها، وهو ما لم ينطلِ على الشعب السعودي الذي واصل هجومه على الإمارات، ما دفع الجهات الرسمية بها إلى إصدار توضيح حول جودة تلك البضائع.
معركة عبر تويتر
وشهدت منصة موقع التواصل الاجتماعي الشهير بالإمارات "تويتر" خلافاً حاداً بين أستاذة الإعلام في جامعة الإمارات، عائشة النعيمي، ورئيس قنوات أبوظبي، يعقوب السعدي، حين انتقدت الأولى إعلام بلادها ودعت إلى إعادة الاعتبار له.
ووصفت النعيمي في سلسلة تغريدات غاضبة لها إعلام الإمارات بأنه في وضعه الحالي ما هو إلا هدر بشري ومادي، داعية إلى تغيير الاستراتيجية المعمول بها حالياً.
وهاجمت النعيمي مسؤولي الإعلام في بلادها؛ لكونهم لم يعودوا يستوعبون انتهاء دور الرقيب، وتغيير مساره وتحويله من علاقة تبعية إلى علاقة قائمة على الحوار والنقد، وضرورة تغيير بنية النظام الإعلامي.
من يدير الإعلام لا يريد أن يستوعب أن دور الرقيب انتهي وإن تغيير المسار يبدأ من الإعتراف بقوة اللحظة الإعلامية الحالية والمبادرةبنسف علاقة الإعلام بالجمهور وتحويلها من علاقة تبعية وعزل إلي علاقة قائمة علي الحوار والنقد،لذا الإشكالية الأولي هي بنية النظام الإعلامي الذي يجب ان يتغير https://t.co/oNqxpB9MHq
— Aisha Alnuaimi (@AishaAAlNuaimi) December 16, 2019
وكتبت النعيمي في تغريدة لها ضمن حملتها ضد إعلام بلادها "المهترئ": "شيء مؤسف جداً أن يترك الإعلام المحلي إدارة الأزمات لأفراد يردون بطريقتهم الشخصية التي قد لا ترتقي أحياناً لمستوى الحدث أو تشوه الموقف أكثر هناك".
ولم يرق للسعدي توصيات أستاذة الإعلام في جامعة الإمارات، إذ شن هجوماً لاذعاً عليها، وهو ما اعتبرته الأخيرة تعدياً وتطاولاً وشتيمة مباشرة ضدها، مهددة بأنها ستقوم برفع دعوة قضائية ضده لدى الجهات المختصة.
يعقوب السعدي بصيغة طرحة الجمعي شملني بحديثه على تويتر واعتبر هذا تعدي وتطاول وشتيمة مباشرة ، لذا ووفق القانون سأقوم برفع دعوي قصائية عليه لدي الجهات المختصة وسأفعل ذلك دون تردد حتى يتعلم احترام البشر .
— Aisha Alnuaimi (@AishaAAlNuaimi) December 17, 2019
برافوا لمن كتب لك هذا الخطاب الوطني الخطير لكن انتبه إلى شئ مهم جدا :
— Aisha Alnuaimi (@AishaAAlNuaimi) December 17, 2019
أولا:المنتمي بصدق لهذا البلد لايزايد علي وطنية الآخرين
ثانيا:تحدث بلباقة أكثر حتي تُحترم
ثالثًا:هناك فرق بين التطبيل الفارغ والمسؤولية الوطنية
خبرنا الإعلام قبلك يايعقوب وستمضي وسنظل نحمل مسؤوليتنا دون رياء https://t.co/Djy7sa2iln
إقرار بالفشل
حالة التخبط والإقرار بالفشل جاءت على لسان مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، جمال سند السويدي، الذي أكد ضعف تأثير إعلام بلاده وعدم مواكبته للأحداث والتطورات المتسارعة، سواء على المستوى المحلي أو حتى الخارجي.
وشن السويدي هجوماً لاذعاً على إعلام بلاده خلال مقال له نشر، الأحد الماضي، خاصة بعد غيابه عن توضيح الصورة حول منتجات جبل علي وما لاحقها من حملة شعبية سعودية غاضبة.
ولم يكن للإعلام الإماراتي وجود يذكر، وفق تأكيد السويدي، خلال الحملة السعودية ضد المنتجات الإماراتية، إذ كان في حالة موت سريري، وغاب دوره في مرحلة هامة وحساسة من تاريخ البلاد، وهو ما يعد تأكيداً لفشل أحد الأسلحة الناعمة للإمارات.
ويستدرك بالقول: "لم يتحمل الإعلام الإماراتي المسؤولية، ولم يتعامل بكفاءة مع التحديات التي تتم مواجهتها، والتي أفرزتها المتغيرات الإقليمية والعالمية المحيطة، رغم توفير الإمكانيات والموارد الممكنة وجلب أحدث التقنيات المعاصرة من قبل قيادة الدولة له".
ويرى مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أن إعلام بلاده يمر بمرحلة تستدعي إعادة النظر فيه، خاصة مع غياب تأثيره.
دعوات للحرية
رئيس تحرير صحيفة الاتحاد الإماراتية، حمد الكعبي، كشف خلال مقال له حمل عنوان "أي إعلام نريد؟"، ونشر اليوم الخميس، حالة التخبط والخلاف الموجود في الوسط الإعلامي الإماراتي بسبب فشله في التعامل مع الأزمات التي تمر بها بلادهم.
وبعد سنوات طويلة وإمكانيات هائلة وفرتها الدولة الإماراتية لمختلف الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة، تساءل الكعبي عن أي إعلام يريد الإماراتيون، وضرورة التوقف عن لوم بعضهم البعض، وهو ما يعكس حالة التخبط الموجودة.
ويقول الكعبي: "طوال العقود الماضية، لماذا نقرأ ونشاهد أخبار بلادنا في إعلام الآخرين؟ ولماذا ازدهرت قطاعات كثيرة، وبقيت محطاتنا وصحفنا على حالها؟ تفتخر بمواكبة التقنيات في البث والطباعة ولا تحفل بمحتوى تجاري؟".
ويضع الكعبي سبباً لتراجع إعلام بلاده؛ وهو عدم وجود التنافسية في الإعلام الحكومي، وتسويقه للخدمات الرسمية، وعدم السماح بانتقاده، "في حين يجد الناس ثورة في مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عن أنفسهم".
وحول ما يريده الإماراتيون بعد سنوات من وجود كم كبير من الوسائل الإعلامية يرى رئيس تحرير صحيفة الاتحاد أن إعلام بلاده بحاجة إلى أن يكون متطوراً قادراً على نقل "قصة الإمارات".
وسبق مقال الكعبي والسويدي إقرار عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بتفوق قناة "الجزيرة" ووسائل الإعلام القطرية على وسائل إعلام الإمارات، مؤكداً بلوغ تأثير الخطاب الإعلامي القطري العالمية.
وقال الأكاديمي الإماراتي، في تغريدة له نشرها بموقع "تويتر"، في 2 أغسطس 2019: "أقولها بكل صراحة: خطابهم الإعلامي أقوى تأثيراً في الرأي العام العربي والعالمي من خطابنا الإعلامي"، في إشارة للإعلام القطري.
انحدار متواصل
مصطفى الزرعوني، رئيس تحرير صحيفة "خليج تايمز" الإماراتية، لم يسلم قلمه هو الآخر من انتقاد إعلام بلاده ووصفه بأنه أصبح أداة ترفيهية أكثر، مع اكتفاء الصحافة بنشر أخبار العلاقات العامة.
ويقر الزرعوني بتدهور الإعلام المحلي الإماراتي من حيث المحتوى، مرجعاً السبب إلى ما أسماه "وضع العربة أمام الحصان"، وتقديم التنفيذيين والمشرفين في العلاقات العامة لترؤس المواقع الإعلامية مع تقليص صلاحيات إدارات التحرير.
وتحدث الزرعوني بجرأة عن استمرار انحدار الإعلام الإماراتي، معتبراً أن إعادته تحتاج إلى عودة وصناعة لكُتَّاب مقالات جريئين، وصحفيين يتابعون الأخبار، وتحقيقات مرئية ومقروءة عن قضايا الوطن واهتمامات المواطن.
ويستدرك بالقول: "لقد سئمت هذه الحال، والحديث عن المهنة التي اخترتها، وآثرت التوقف عن الحديث عنها، لكن تغريداتكم جعلتني آمل خيراً في أمر أصبح منسياً بالنسبة لي.. فهل من أمل؟".