(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تابع العالم بشغف مُريب قضية الطّفل المغربي ريان عليه رحمة الله، والذي سقط في بئر عميق وظلّت جهود الإنقاذ مستمرّة إلى إخراجه ومحاولات إنقاذ حياته حتى اللّحظات الأخيرة.
وما يجعلنا نصِف الشّغف هنا بالمُريب، هو ليس الانتقاص من أهمية حياة طفل، بل الجميع شارك في الدّعاء له بالسلامة ولم يبخل على وفاته المأساوية بالدموع والدعاء لذويه بالصبر.
ولكن المُريب هنا هو هذه المتابعة الإعلامية المستمرّة لحدث يبدو عادي إذا ما قورن بمئات وربّما آلاف الحوادث في بلادنا والتي قد تكون أكثر مأساوية، مثل سقوط الأطفال في بالوعات الصّرف الصحي أو نسيان الأطفال بالحافلات وموتهم اختناقاً، مثل الحوادث التي انتشرت في الخليج تحديداً وخاصةً في الإمارات.
كما لم يكتفِ الإعلام بمتابعة الخبر على فترات، بل كرّس لهُ بثًّا مباشراً وعدداً كبيراً من ساعات البثّ، وهو ما يوحي بأنّ المراد هو توجيه النّظر والانتباه لهذا الحدث دونا عن أحداث أخرى تجري بالإقليم وبالعالم.
ومرّة أخرى نودّ تكرار القول بأنّ حياة أي طفل وجهود إنقاذه تستحق الاهتمام، ولكن إذا كان هذا هو المُعتاد وإذا كانت الإنسانية هي الدافع، وخاصّةً وأنّ القنوات التي قامت بالتّغطية والتّكثيف لم يعهدها المشاهد مهتمّةً ولم يضبطها متلبّسة بالإنسانية والحرص على حياة البشر بما فيهم الأطفال!!!
وهنا لا بدّ وأن نخصّص الحديث حول قنوات الخليج التي اهتمّت بالحدث وكرّست له ساعات طويلة من البثّ والمتابعة، ونودّ أن نوجّه لها سؤالاً حول أطفال غزّة الذين سقطت الأبراج فوق رؤوسهم بفعل القصف الصهيوني، وأطفال اليمن الذين ماتوا بفعل قصف دول الخليج والذين يموتون ببطء بفعل الحصار.
نودّ أن نُرسل لهذه القنوات والمواقع الخليجية جزءاً صغيراً من تقرير، أوردت به منظّمة "انتصاف" لحقوق المرأة والطفل في اليمن أنّ عدد ضحايا العدوان السعودي من الأطفال بلغ منذ بَداية الحرب 3825 شهيداً و4157 جريحاً.وفقاً لاحصاءات نوفمبر الماضي، وبالتّأكيد قد زاد العدد.
المنظّمة الحقوقيّة قالت خلال مؤتمرٍ صحافي في صنعاء أنّ عدد الأسر النّازحة وصل إلى 670 ألفاً و343 أسرة في 15 محافظة، لافتةً إلى وجود "حوالي 600 ألف طفل من الخُدج يحتاجون إلى الوقود والحضانات للبقاء على قيد الحياة".
وتابعت أنّ "أكثر من 400 ألف طفل يمني مُصاب بسوء التغذية الوخيم، منهم 80 ألفاً مهدّدون بالموت"، مشيرةً إلى أنّه "من أصل 1000 مولود يتوفّى أكثر من 27 بشكلٍ سنوي".
وأكّدت المنظّمة أنّ "أكثر من 3 آلاف طفل مصابون بتشوّهات قلبية"، موضحةً أنّ "دول التّحالف منعت إدخال الأجهزة الكهربائية الخاصة بمرضى القلب، ويواجه آلاف المرضى خطر الوفاة بسبب ذلك".
كما شدّدت على أنّ "أكثر من 10 آلاف شخص مصابون بالأمراض المزمنة يحتاجون للسّفر الطارئ للعلاج في الخارج"، مؤكّدةً أنّ "المنظّمات لا توفّر المساعدة المطلوبة بالنسبة إلى الأدوية وفحوصات الدّم لمرضى التلاسيميا".
واذا ما شكّك الخليج في التقرير اليمني، فإنّنا نُحيله على تقرير الأمم المتّحدة، حيث قال ناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في نوفمبر الماضي، إنّ عشرة آلاف طفل قُتلوا أو أصيبوا بجروح في اليمن منذُ بَدء النّزاع وذلك بعد عودته من مهمّة في ذلك البلد.
وخلال تصريح صحافي أكّد على ضرورة إنهاء القتال، وأوضح الناطق جيمس ألدر أنّ "النّزاع في اليمن تجاوز للتّو محطة مُخزية مع بلوغ عتبة عشرة آلاف طفل قتلوا أو أصيبوا بتشوّهات منذ بَدء المعارك في آذار/مارس 2015. وهذا يعادل أربعة أطفال يوميا".
وتابع أنّ هذا الرّقم يشمل فقط الأطفال الضحايا الذين تمكّنت المنظّمة من معرفة مصيرهم مشيراً إلى أنّ هناك عدداً لا يُحصى من الأطفال الآخرين.
ربّما كان التّركيز على الحدث بغرض الإلهاء أو محاولات غسل اليدين من الدّماء، وهو ما يقلب الطاولة على هذه الفضائيّات والمواقع، ويجعل من العمل الإنساني انتهازيّة وتجارة.
ونسأل الله الرّحمة للطفل ريان ولجميع الأطفال والصبر لأهلهم ولا نسأل الرحمة لمن يُتاجر بدمائهم ومآسي ذَويهم.