(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
لم تعُد الحوادث والتطوّرات في الإقليم تسمح بمزيد من الاستهانة بعقول الجماهير، وخاصةً وأنّ الإعلام أصبح مفتوحا وانقضى عصر التعتيم الإعلامي، بل وأصبحت التّرجمات أيضا متاحة عبر محرّكات جوجل، ممّا أزال أي حواجز للمعرفة والاطلاع على الحقائق.
ويبدو أنّ الإعلام السعودي يتجاهل كلّ هذه الحقائق ويتعاطى مع الشعوب باعتبارها جاهلة وليس لديها أي وسائل للتّواصل أو الاطلاع على الأخبار والرّوايات المخالفة للروايات الرّسمية والتي باتت ساذجة ومتمادية في الاستخفاف بالعقول.
قبل الخوض في عمق الخداع وعمق ما يُخفيه الإعلام الخليجي، يمكن ذكر مثال بسيط للتوضيح، وهو ما يتعلّق بنفي الرئيس الأمريكي جو بايدن لصحّة تصريح الوزير السعودي عادل الجبير، الذي قال إنّ بايدن لم يُثر أمام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان موضوع مسؤوليته عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
حيث ردّ بايدن في تصريحات للصّحفيين لدى عودته إلى البيت الأبيض من الجولة الشّرق أوسطيّة، بـ"لا" على سؤال عمّا إذا كانت كلمات عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية بالمملكة، والذي كان حاضرًا في اجتماع الوفدين الأمريكي والسعودي في جدّة، صحيحة.
وقال بايدن للصحفيين بعد اجتماعه مع ولي العهد السعودي يوم الجمعة: "فيما يتعلّق بمقتل خاشقجي، أثرته في بداية الاجتماع، وأوضحت ما كان رأيي في ذلك وقتها وكيف أراه الآن".
وأضاف بايدن في إشارة إلى محمد بن سلمان: "لقد قال بشكلٍ أساسي إنّه ليس مسؤولاً شخصيًا عن ذلك"، وتابع "أشارت إلى أنّه مسؤول، فقال إنّه ليس مسؤولًا شخصيًا عن ذلك واتّخذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين".
وقال بايدن إنّ قضية خاشقجي "كانت على رأس جدول اللّقاء".
وأضاف بايدن أنّ "ما حدث لخاشقجي كان فظيعًا... وأكّدت بوضوح أنّه في حال حدث أي شيء من هذا القبيل مجدّدا، فإنّهم سيواجهون ردًّا وأكثر من ذلك".
هنا نحن أمام تكذيب رسمي من رئيس الولايات المتّحدة لوزير سعودي، وفي موضوع واحد يتعلّّق ببند من بنود الزيارة، وليس بندًا رئيسيًا، حيث تمّ تجاوز قضايا الحريّات وحقوق الإنسان في سبيل قضايا أسعار النّفط وعدم ترك الفراغ لروسيا والصين، وهو ما اعترف به بايدن شخصيًا في مقاله الذي نشره قبل الزيارة.
ولا نعرف هل اطّلع الشّعب السعودي والخليجي عامّة على مقال بايدن في صحيفة واشنطن بوست، أم اطّلع على الفقرات المقتطعة من سياقها فقط والتي أبرزها الاعلام السعودي!!
ما يُخفيه الاعلام السعودي أنّ بايدن قال في مقاله نصًّا:
(في الأسبوع المُقبل، سأُسافر إلى الشرق الأوسط لبَدء فصل جديد واعد أكثر من مشاركة أمريكا هناك. تأتي هذه الرحلة في وقت حيوي بالنسبة للمنطقة ، وستعمل على تعزيز المصالح الأمريكية المهمة.)
وأضاف (في اليمن، قُمت بتعيين مبعوث وتواصلت مع القادة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مع ملك المملكة العربية السعودية ، لوضع الأساس لهدنة. ... في المملكة العربية السعودية، عكسنا سياسة الشيك على بياض التي ورثناها. أصدرت تقرير مجتمع المخابرات حول مقتل جمال خاشقجي ، وأصدرت عقوبات جديدة ، بما في ذلك على قوّة التدخّل السريع السعودية المتورّطة في مقتله ، وأصدرت 76 حظر تأشيرة بموجب قانون جديد يمنع دخول أي شخص إلى الولايات المتّحدة. متورّط في مُضايقة المنشقّين في الخارج. لقد أوضحت إدارتي أنّ الولايات المتّحدة لن تتسامح مع التهديدات الخارجية والمُضايقات ضدّ المعارضين والنّشطاء من قبل أي حكومة. كما دافعنا عن المواطنين الأمريكيين الذين احتُجزوا ظلماً في المملكة العربية السعودية قبل فترة طويلة من تولي منصبي. تمّ الإفراج عنهم منذ ذلك الحين ، وسأواصل الضغط من أجل رفع القيود المفروضة على سفرهم.)
وفي خواتيم مقاله قال: ( يوم الجمعة ، سأكون أيضًا أوّل رئيس يطير من "إسرائيل" إلى جدّة بالمملكة العربية السعودية. سيكون هذا السفر أيضًا رمزًا صغيرًا للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين "إسرائيل" والعالم العربي، والتي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها. في جدّة ، سوف يجتمع القادة من جميع أنحاء المنطقة ، للإشارة إلى إمكانية وجود شرق أوسط أكثر استقرارًا وتكاملاً ، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا قياديًا حيويًا)
لقد حاول الإعلام السعودي التّركيز على قوّة المملكة السعودية دوليا وإجبارها للرئيس الأمريكي على المجيئ للسعودية والتراجع عن تصريحاته، بينما أغفلت أنّ منبع هذه القوّة هو الضعف والتّفريط في الثّوابت، واغفل الإعلام السعودي ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأنّ شركة طيران "إلعال" الإسرائيلية قدّمت طلبًا رسميًا للطيران في المجال الجوي السعودي، بعد الإعلان عن أنّ المملكة ستسمح بالتّحليق غير المقيد.
وأنّ من المتوقّع أيضًا أن تقدّم شركتا طيران "إسرا إير" و"أركيا" طلبات مماثلة.
وأغفل الإعلام السعودي أنّ المصالحة الخليجيّة تمّت بأوامر أمريكية وأنّ الهدنة في اليمن هي هدنة بين ابن سلمان وبايدن للتّهدئة المطلوبة امريكيًا وليس لصالح الشعب اليمني ولا على خلفية أخوية إنسانية!
وأخفى الإعلام السعودي انّ السعودية وافقت على زيادة إنتاج النّفط وأنّ بايدن حقّق أهداف زيارته التي وعد بها الشعب الأمريكي وهي النّفط والتي وعد بها الصّهاينة وهي التّطبيع الهادئ المتدرّج.
ربّما أيضًا أخفى الإعلام الخليجي أنّ المَكسب السعودي الوحيد هو إعطاء الضّوء الأخضر لولي العهد باستلام وشيك للعرش بعد الحصول على الشّرعية الأمريكيّة.