كامل جميل - الخليج أونلاين-
استطلاع عُماني نُشر مؤخراً ذكر أن 70% من العُمانيين لا يقرؤون الجرائد الورقية إطلاقاً، ليسلط الضوء على تدهور كبير للصحافة الورقية، ما يثير التساؤل حول الاهتمام الذي يحوز الشباب الخليجي بعيداً عن الصحافة الورقية التي كانت حتى سنوات قريبة مصدر المعلومات الأول.
تراجع قراءة الصحف المطبوعة ليس همّاً عُمانياً فقط، إذا ما شمل الحديث بلدان الخليج العربي، فالمواطنون الخليجيون انضموا إلى ركب مغادري الصحف الورقية، التي أغلق العديد منها أبوابها تلافياً للخسائر المادية نتيجة هجرة القراء لها ولأسباب أخرى.
مواجهة التحديات
ليس خافياً على أحد أن التكنولوجيا التي تدخل حياة الناس في كل العالم هي السبب وراء تراجع المطبوعات الورقية، لا سيما الصحف.
ويبدو أن البلد كلما كان متقدماً في الحصول على التقنيات الحديثة والاهتمام بتوفيرها لسكانه كان ابتعاد هؤلاء السكان عن الصحف الورقية أسرع وأكبر.
ذلك ما يمكن استخلاصه من توقعات سابقة أعلنها الكاتب والباحث المتخصص في الدراسات المستقبلية، روس داوسون، عام 2014، إذ توقع أن "تختفي الصحف المطبوعة من الإمارات بحلول عام 2028، نظراً للانتشار الكبير للهواتف الذكية والتي بلغت أعلى معدل في العالم".
وبحسب "فرانس برس" أشار داوسون إلى أن الإمارات ستصبح أولى الدول العربية التي ستختفي منها الصحف الورقية التقليدية، وتليها السعودية على ذات النهج بعد 6 سنوات من الإمارات، أي في حدود عام 2034، بحسب توقعات داوسون.
ووفقاً لدراسة أجراها دواسون فإنّ عوامل عدة ستكون السبب في أن تتخلى الصحافة الورقية التقليدية عن مكانتها لصالح الصحافة الإلكترونية بحلول 2028، من بينها الانتشار الكبير للإنترنت في الدولة، وتزايد أعداد مستخدميه بالنسبة لعدد السكان فيها، فضلاً عن تزايد أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصادر لا يستهان بها للأخبار.
صحافة رصينة
يرى كثيرون أن على المؤسسات الصحفية الرصينة بالخليج التي كانت اسماً بارزاً بين الصحف العربية أن تواكب التكنولوجيا لكي تبقى على تواصل مع جمهورها.
صحيفة "عُمان" العُمانية، وبمناسبة مرور 50 عاماً على صدورها، أعدت استطلاعاً لمعرفة ما ستؤول إليه الصحافة الورقية مستقبلاً.
نقلت الصحيفة عن محمد العريمي، رئيس مجلس إدارة جميعة الصحفيين العمانية، أنه يتمنى عدم اختفاء النسخة الورقية لجريدة عُمان في ظل الدعم الحكومي لها.
لكن العريمي ينصح "بضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية المختلفة؛ لتكون في مصاف الصحف العربية والخليجية من خلال تدريب الكفاءات الوطنية على استخدامها".
وينصح أيضاً بضرورة "الاهتمام بالمضمون الصحفي من خلال طرح قضايا المواطنين ومناقشة مشاكلهم عن قرب، والدفع نحو وجود ملاحق اقتصادية وعلمية وثقافية، الأمر الذي يبقي القراء على تواصل دائم مع الصحيفة".
تلك كانت نقاطاً مهمة طرحها العريمي تساهم في استمرارية الصحف الورقية إذا ما اعتمدتها إدارات هذه الصحف.
فشل المؤسسة الصحفية
عدد كبير من الصحف الورقية الخليجية أوقفت طبعاتها متجهة إلى النشر الإلكتروني، والسبب وراء ذلك تراجع الواردات من البيع ومن الحصول على الإعلانات التي تمول الصحف وتسهم في وجودها وانتشارها.
ما ولدته الثورة الرقمية من وسائل إعلام حديثة سريعة في نقل المعلومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت البديل للحصول على المعلومة، لكنها وفق متخصصين ليست على مستوى عالٍ من الثقة.
يرى الكاتب الصحفي السعودي بندر خليل، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، أن تعثر الصحافة الورقية وتراجعها وتوقفها عن الصدور واحدة تلو الأخرى، في البلدان العربية على وجه العموم، والخليجية خصوصاً، يأخذ سياقاً خاصاً يختلف عما يجري في الصحافة العالمية.
أوضح خليل أن "الانهيار الذي تعانيه مؤسساتنا الصحفية اليوم ليس عائداً إلى تحولات الإعلام ودخول أدوات جديدة في السوق أكثر من كونه مرتبطاً ومؤسَّساً على فشل التجارب نفسها".
وبين أن "المؤسسة الصحفية التي ما زالت تحقق أرباحاً عالية وخيالية في أمريكا وأوروبا واليابان تؤكد أن المشكلة ليست بسبب ما طرأ على الإعلام من تحولات في أدواته، وتطورات في تقنياته".
والسبب وفق قوله: "فشل المؤسسة الصحفية، التي طالما اعتمدت على المعلنين والدعم الحكومي، ولم تعوّل على القارئ، ولم توطد علاقة متينة من الثقة والشفافية معه".
يأتي بعد ذلك من أسباب الفشل، بحسب "خليل"، إدارة المؤسسات الصحفية، مشيراً إلى أنها "فشلت فشلاً ذريعاً بشقيها التحريرية والمالية التسويقية، وعجزت عن مواكبة الزمن والتطورات".
وأكد أن الصحافة الخليجية تعاني من "معضلات عميقة للغاية تتجاوز تحولات الإعلام وتطوراته؛ فكل تطور يحمل معه مزيداً من الفرص، هذه نواميس ثابتة، لكن الصحافة التي تحمل تاريخاً لا يحترم القارئ، وتفتقر -بطبيعتها أيضاً- إلى العدالة في التنافس، وتنأى بالكامل عن ثقافة الانتخاب وليس في شيء من الطابع الصحيح للمؤسسة الصحفية، فإن مصيرها المحتوم هو الفشل الذريع، سواء طرأ طارئ على مجال الصحافة والإعلام، أم لم يطرأ".
جذب الشباب
الإعلام الحديث المتمثل بالصحافة الإلكترونية الذي يوفر معلومات وأخباراً آنية سريعة عبر المعلومة المكتوبة والمرئية، سواء كانت صورة أو فيديو أو حتى عبر منتجات معلوماتية مختصرة في إنفوجرافيك، أو قصص فيديوية قصيرة، هي الملاذ الذي يلجأ إليه شباب اليوم في الخليج، ليستغنوا بذلك عن الصحف الورقية التي تعلق بها أسلافهم.
وللإعلام الحديث فوائد عديدة وجذب كبير كان السبب وراء لجوء الشباب إليه، بحسب ما تذكر الكاتبة والصحفية العُمانية عزيزة راشد في حديث لـ"الخليج أونلاين".
تؤكد عزيزة راشد أنه مع وجود التقنيات الحديثة أصبح انتشار الصحافة الإلكترونية هو السائد؛ مما جعل الشباب العربي عامة، والخليجي خاصة، يفضل متابعة أخبار العالم عبر الصحف الإلكترونية عبر هاتفه الشخصي، خاصة الأخبار العاجلة.
وتضيف أنه نتيجة لذلك تأثر الشباب الخليجي والعربي بالصحف الإلكترونية التي جعلتهم على اطلاع مباشر بالأحداث، مشيرة إلى الدور الكبير والمؤثر الذي تؤديه الصحافة الإلكترونية مقارنة بالورقية، وتجسد ذلك "في أحداث الربيع العربي؛ إذ إن الشرارة الأولى للثورات العربية كانت شرارة إعلامية"، بحسب عزيزة.
وعليه تعتقد أن عصر الصحف الورقية انتهى وحل عصر الصحف الإلكترونية، فنتيجة "سرعة وصول المعلومة والانتشار الواسع يقبل جيل الشباب في الخليج عليها".
وتؤكد أن للصحافة الإلكترونية أهمية كبيرة للشباب لكون تأثيرها "يخلق جيلاً نامي الفكر مدعوماً بالثقافة التنويرية التي رسمت لاحقاً خريطة الطريق لمزيد من التطور والتقدم الذي يشهده الخليج حالياً".