تواصل » صحف ومجلات

الماء العربي «1»

في 2015/08/10

محمد مستجاب- الشاهد- في التعريف بأمة العرب، انصب اهتمام علماء التاريخ والاجتماع والجغرافيا على الدين واللغة والتقاليد، دون الانتباه الكافي للماء، هذه المندفعة والمنطلقة والسارية مع النسيم والريح على شواطئ النيل، والفرات، ودجلة، والعاصي، والليطاني، أو المنهمرة من السماء على أراضي المغرب العربي ولبنان واليمن، أو المنفجرة من باطن الأرض في كل من صحراء الحجاز ونجد والجزائر وليبيا.

والماء يشكل محور الجغرافيا السياسية في كل مرحلة من مراحل التاريخ في المنطقة العربية، وأساس التفاعلات الحضارية والصراعات والتداخلات الخارجية، حيث كانت المياه السبب والهدف خلال الخطوات الحثيثة لحركة البشر على وجه الوطن العربي، وقد صاحبت حركة الانسان في مختلف الأحقاب الزمنية، فاذا نظرنا للأنهار في المنطقة العربية « نهر النيل، الفرات، دجلة، الليطاني، العاصي »، سوف نراها كأنها وشم على جسد وجلد الوطن العربي، حيث نجد كل الحضارات التي نقشها وتركها الانسان العربي على الأرض العربية، وهو ما نخشى أن يتلاشى هذا الوشم ذات يومأو يمسح لا قدر الله، لأن الماء قادر على أن يغمر الواقع بالارتجاف، هذا الارتجاف الذي يحيط بالوطن العربي الآن دون أن نشعر به، يتسرب ويزحف هادئاً هامساً، كي نستيقظ ذات يوم لنجد الصفيحة أو الصنبور العربي فارغ من المياه، ليس به قطرات تغسل ماء الوجه، مما يزيد الوجه العربي تغضاً وانكماشاً وسواداً، بدلا من أن يكون نضراً، جذاباَ، مستريحاً، مشرقاً، مبتسماً في عذوبة، كي يظل له دوره الحضاري على ساحة الكون، حتى ولو كان الغرب يحاول طمس هذا.

وحالات المد والجزر والعواصف والسكون في المياه العربية تؤثر في مزاج الدنيا كلها،ولا سيما أن جميع الديانات السماوية نزلت في الوعاء العربي، وبالتالي فان رحلات معظم الأنبياء تتوازي بالقرب من المياه، لتكون المنبع العظيم للأخلاق ونظم الحياة الدنيا، والأمل في الآخرة المريحة المأمولة.

وقد كثر في الأعوام الأخيرة الحديث عن الماء العربي وأمنه، وأصابنا قلق أن تكون المياه التي تطفئ النيران، وتقلص وتحاصر حمم البراكين، تكون هي التي تشعل نار الرغبة والطمع والتدخل في الأرض العربية وشعوبها بالعطش والجفاف والتلوث والتهديد والسلاح، لان قطع المياه يوازي طاقة سلاح كامل من الطيران والمدفعية وكتائب من الجنود المشاة، وسوف يصبح ذلك وراء كل النار المائية التي سوف تصنع تاريخ المنطقة.

وهذا ما ينبه اليه الكثير من الخبراء والباحثين والساسة، حيث أصبحت نقطة المياه العربية تشقى بكل أنواع الصراع والقلق، بل ان - المياه - هي التمهيد الناعم والمكبر للصدام الكبير، والذي ينبه له الكثير من العلماء والسياسيين والخبراء والمؤتمرات، كي تكون صاحبة الصراع الدموي الذي يلوّح ويظهر في الأفق، وأن كان ضباب الأحداث التي تمر بها الأمة العربية على اتساع رقعتها الجغرافية، لا يجعلنا – واقصد الساسة حتى الانسان البسيط – لا يري هذا الصراع القادم، والذي لابد له من فترة انتظار، يجمع فيها الوطن العربي أجزائه، وأحزانه، ويرتق ملابسه الممزقة والبالية، كي يعبر جسر الأمل مدفوعاً ومحملاً بالرؤى الواضحة، والأمنيات القوية، حتى لا تسقط في مصبات انهار الدول الكبرى الاستعمارية الطامعة.

ولأني أخشى أن تصبح المياه العربية، ثعبان، أو حيّة، تسعى وتزحف في بطون وهضاب الوطن العربي دون هدف أو حلم، وأن يكون – الرفاعي – الذي يتحكم ويعّزم ويستطيع السيطرة عليها، من خارج الوطن العربي، ذلك – الرفاعي – الذي سوف يكون هو صاحب اليد العليا، والكلمة المسموعة، عندما تصبح المياه العربية في يده، وبذلك تصبح المياه رمز الخير والبشر والسعادة، رمزاً للشر والاستبداد والاحتلال والصراع، وسماً للشر الحّي الناعم الزاحف المنقطع نحو الشقوق والظلمات، ما يجعل الأمة العربية تعود لعصور الجفاف أو الكفاف- القديم، والتي نخشى أن يحدث ذلك في السنوات القادمة، واذا حدث ذلك لا قدر الله، سوف نظل ننتظر عصا عربية مثل عصا سيدنا موسى عليه السلام، والتي حلّت له – ولقومه- مشكلة العطش « فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت من اثنتا عشر عينا، قد علم كل أناس مشربهم » الآية 60 من سورة البقرة.

ووسط هذه الأجواء والغيوم، سوف تتحول المياه العربية الى أداة قطع، وجر، وتثبيت، وانتقام، وشد، وجذب، واختناق، وتصبح المياه، الفخ التاريخي والأيديولوجي المصاحب لحركة الانسان العربي، ويصاب القلب العربي بالجلطة، أو الذبحة الصدرية، والتي تحاول صنعها دولة مثل إسرائيل.