حمد العامر- السياسية- عُقد مساء الاثنين الماضي في الدوحة اجتماع روتيني للحوار الستراتيجي الخليجي الأميركي, الذي تأتي أهميته في ظل ما تمر به المنطقة من تطورات وتهديدات لها الكثير من الانعكاسات على مستقبل وكيان دول “مجلس التعاون” وعلاقاتها الستراتيجية مع الولايات المتحدة بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران, الذي بذلت الولايات المتحدة جهوداً جبارة لتحقيقه رغم الاعتراضات الخليجية والإسرائيلية عليه وكذلك الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية, إلا أن ذلك لم يثنِ الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته عن المضي قدماً من أجل التوصل لهذا الاتفاق المثير للجدل.
وفي إطار نظرية “لعبة الأمم” يصبح الاتفاق النووي مع إيران الركيزة الأساسية للرؤية الأميركية للسنوات المقبلة نحو إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” رغم كل التصريحات الأميركية المطمئنة التي كان آخرها تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمره الصحافي بالدوحة مع نظيره القطري عقب الاجتماع ان: “الولايات المتحدة ملتزمة بأمن واستقرار دول “مجلس التعاون”.
ويمكن تشبيه الموقف الأميركي بعد الاتفاق النووي مع إيران بالانسحاب البريطاني من الخليج العربي في أواخر ستينات القرن الماضي, فرغم مطالبة دول الخليج بدفع المصاريف المالية لبقاء القوات البريطانية لحفظ وحماية أمنها واستقلالها من الخطر الشاهنشاهي كان فاتحة انسحاب تلك القوات قيام إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث وسط الخليج العربي, وفتح أبواب المنطقة على مصراعيها للولايات المتحدة الأميركية لتثبيت موقعها في الخليج وتحقيق هيمنتها الكاملة على أهم مصدر للطاقة في العالم خصوصاً بعد قيام ثورة الخميني والإطاحة بنظام الشاه الحليف الستراتيجي لها في المنطقة عام 1979 .
ولعل من أهم أسباب عدم ارتياح دول “مجلس التعاون” للتحول الستراتيجي في موازين القوى في المنطقة, والذي أصبح شديد الميلان نحو إيران ما يلي:
أولاً: اعتماد دول “مجلس التعاون” الكلي على الولايات المتحدة لحماية أمنها واستقرارها وعدم ثقتها بالبديل كالصين أو الاتحاد الروسي.
ثانياً: اعتماد الكونغرس الأميركي والبرلمانات الأوروبية على معايير تقوم على احترام مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير والالتزام بها في تحديد مسار علاقاتها الثنائية مع دول “مجلس التعاون” ووفقاً للمصالح المشتركة.
ثالثاً: عدم وجود موقف خليجي موحَّد تجاه التغيير الستراتيجي الواضح في السياسة الأميركية بالمنطقة والرؤية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط الجديد; نظراً لاختلاف المصالح الخاصة لدول “مجلس التعاون” وعلاقاتها كلٍ على حدةٍ بالولايات المتحدة .
رابعاً: ضعف الجبهة الخليجية الداخلية أمام الانتشار المخيف لأعمال العنف والإرهاب, وانتشار الفساد الأخلاقي والإداري والاجتماعي الذي أدى إلى ظهور طبقة اجتماعية تتمتَّع بالكثير من الامتيازات دون غيرها من الطبقات, في غياب الممارسات الحقيقية للشفافية والعدالة الاجتماعية وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف هذه الممارسات التي لها تأثيرات جلية على عدم تحقيق المعايير الدولية فيما يخص قضايا حقوق الإنسان.
إن من أهم انشغالات الجانب الأميركي في اجتماع الحوار الستراتيجي بالدوحة هي:
الاتفاق النووي الإيراني.
مكافحة الإرهاب, وخصوصاً إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وكيفية القضاء عليه, في تجاهل غير معروف الأسباب للمنظمات الإرهابية الأخرى في العراق وسورية والبحرين.
دعم الشرعية في اليمن, التي حققت العديد من الانجازات العسكرية الميدانية أخيراً.
الأزمة السورية: التي ستراوح مكانها بسبب الموقف الروسي الذي أوضحه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد الاجتماع الذي عقده مع نظيريه الأميركي والسعودي في الدوحة في الثاني من الشهر الجاري وهو الموقف الذي لم يتغير منذ بدء الأزمة في 18 مارس 2011 .
إلا أن الهواجس الخليجية ستظل قائمة بعد اجتماع الدوحة, فالاتفاق النووي كما صرَّح وزير الخارجية القطري “هو أفضل الموجود بين الخيارات المطروحة”, كما أكد من جانب آخر أهمية مناقشة رؤى التعاون الستراتيجي المستقبلي بين دول “مجلس التعاون” والولايات المتحدة الأميركية بعد التوقيع على الاتفاق, والعمل على تعزيز الثقة بين الجانبين في ظل الأوضاع الخطيرة التي تهدد منطقة الخليج العربي.
ولذلك فقد كان أهم ما تم التوصل إليه في اجتماع الدوحة هو تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تدفق المقاتلين الإرهابيين, وإدانة الهجمات الإرهابية في البحرين والكويت والسعودية, والتأكيد الأميركي على الالتزام بالعمل على منع وردع أي تهديدات أو عدوان خارجي على دول الخليج والتنسيق معها لتحديد العمل المناسب بشكل عاجل, إلى جانب الإصرار على أهمية إدراك دول “مجلس التعاون “أن تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران سيؤدي إلى استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة, وأن الاتفاق النووي لم يشمل أي تفاهمات جانبية.
وكما اسقط الأمر من يد دول “مجلس التعاون “في قمة كامب ديفيد التي عُقدت في مايو الماضي, يتكرر ذلك في الدوحة في الاجتماع الستراتيجي الخليجي الأميركي المبرمج سلفاً والذي لم تحصل فيه دول المجلس إلا على تطمينات في سطور تضمنها بيان صحافي مشترك بحماية أمن الخليج بالتسريع في دراسة الطلبات الخليجية للأسلحة, وبناء شبكة الصواريخ الباليستية, وهو تكرار لما خرجت به قمة كامب ديفيد, أما حول كيفية وقف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول “مجلس التعاون” فكل ما تم إنجازه بشأنها “سطر” في البيان الختامي الذي لا يشكل أي التزام أميركي يُعتد به.
بعد المستجدات كافة التي مرَّت بها منطقة الخليج العربي منذ عام 2011, والتهديدات المباشرة, وتدخلات إيران المستمرة والتي أصبحت لها أذرع طويلة جداً تحيط بدول “مجلس التعاون” من كل النواحي, وإن كانت الولايات المتحدة جادة في تعزيز علاقاتها مع دول المجلس بما ينفي التقارير كافة التي تطلقها واشنطن عن التغيير في المنطقة من وقت لآخر, أعتقد أن من الضروري أن يبحث الخليجيون مع الولايات المتحدة الأميركية عقد اتفاق دفاعيا مُلزما للولايات المتحدة للدفاع عن دول “مجلس التعاون” من أي اعتداءات خارجية خصوصاً بعد توقيعها الاتفاق النووي أخيراً واللغط الذي صاحبه وانعكس سلبياً على العلاقات الستراتيجية والتاريخية بين الحلفاء القدامى بما يعزز الثقة المفقودة والشراكة القائمة بين الجانبين.