عبداللطيف بن نخي- الرأي- لن ننسى الثاني من أغسطس لسنة 1990، ولن ننسى ذلك الخميس الأسود، ولن ننسى غدر الجار الشقيق العربي المسلم، ولن ننسى ما عانيناه خلال الأشهر السبعة من الاحتلال البعثي. لن ننسى أصوات الدبابات والمدافع العراقية، ولن ننسى دوي الانفجارات، ولن ننسى أزيز الطائرات من فوق رؤوس أطفالنا. لن ننسى ما عانيناه من اعتقالات وتعذيب وقتل، ولن ننسى ما تحملناه من هوان التشرد واللجوء وإن كنا بين أشقائنا ومحبينا. ولن ننسى شهداءنا الأطهار الذين وصل عدد المسجلين منهم بمكتب الشهيد إلى 1178 شهيداً شاملاً من استشهد أثناء العدوان وخلال فترة الاحتلال إلى جانب الأسرى والمفقودين الذين تم تحويل ملفاتهم إلى المكتب.
لن ننسى الدمار الذي أصاب المؤسسات والمنشآت الحكومية فضلاً عما لحق ببنيتنا التحتية. لن ننسى الآبار التي دمرت وأشعلت، ولن ننسى أضرارها على اقتصادنا وصحتنا منذ تلك الأيام إلى يومنا هذا. لن ننسى المليارات التي صرفت من أجل تحرير الكويت.
لن ننسى دموع أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد أثناء كلمته أمام الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، ولن ننسى سجدته شاكراً لله فور رجوعه إلى الكويت المحررة. لن ننسى وحدتنا التي تجسدت بأروع وأسمى صورها ومعانيها، ولن ننسى تكاتفنا وتكاملنا في تجاوز الأزمة. لن ننسى نساء الكويت وإخوانهن اللاتي تظاهرن بوجه الغزاة، ولن ننسى رجال الكويت وأخواتهم الذين قاوموا الاحتلال.
لن ننسى وقفة الشرفاء من العرب ومن غيرهم في ربوع العالم الحر للدفاع عن حقنا وتحرير أرضنا، ولن ننسى تآمر الغدرة ممن كنا نظنهم أشقاء قبل غيرهم من الذين سعوا لاستمرار الاحتلال وتثبيته.
لن ننسى أن العراق كان قبل الفجر الأسود حليفاً استراتيجياً للكويت، ولن ننسى أنه كان حامي البوابة الشرقية للأمة العربية أمام مخاطر تصدير الثورة الإسلامية من إيران إلى دول المنطقة وفي مقدمها الكويت. لن ننسى أن صدام حسين كان قائد معركة القادسية الثانية، ولن ننسى مدى شعبيته في الكويت ومكانته في قلوب العديد من المواطنين ورمزيته في عقول الكثيرين. ولن ننسى أن كل ذلك لم يمنع العراق «العضد» من احتلال الكويت بأوامر مباشرة من «محبوبنا» الرئيس المهيب.
لن ننسى أن الكويت حرصت باستمرار على علاقات حسن الجوار مع العراق ودافعت عن حقه في الحفاظ على ما يمتلكه من قدرات عسكرية، وفي مقدمها ترسانته من الصواريخ التي يصل مداها إلى تل أبيب، بعد الأزمة التي نشبت بسبب كلمة صدام، في 2 أبريل 1990 في حفل تكريم كبار القادة العسكريين العراقيين، التي أقسم فيها بأنه «إذا تعرض العراق لهجوم نووي إسرائيلي، فإنه سيستعمل أسلحة متطورة، تحرق بالنار نصف إسرائيل». ولن ننسى بأن كل هذه المواقف المبدئية لم تمنع العراق من الهجوم على الكويت واستهداف شرعيتها.
لن ننسى أن الغزو العراقي سبقته خلافات نفطية مرتبطة بحقل الرتقة (يسمى في العراق بالرميلة) المشترك بين الكويت والعراق، ولن ننسى أن الاجتياح البربري سبقته مفاوضات بشأن ترسيم الحدود بين البلدين دولياً. ولن ننسى أن الخلافات مع جيراننا يجب أن تحل وفق الأطر الحضارية وبالسرعة الممكنة، عبر التفاوض المباشر أو اللجوء للمنظمات الدولية المعنية، حتى لا تتفاقم فنهوى معاً في هاوية حرب جديدة.
لن ننسى أن إشعال العراق حرب الخليج الأولى عززت قدراته العسكرية ورسخت ثقة قيادته السياسية في جيشه، ولن ننسى أن العراق بدأ تلك الحرب بخطة محكمة لتكون خاطفة ولكن أمدها طال وتراكمت الديون حتى بلغت ديون العراق للكويت لوحدها 60 مليار دولار وفق تقرير صندوق النقد الدولي. ولن ننسى أن تلك التكاليف الباهظة لم تمنع العراق من الإغارة على الكويت بل على العكس عجلتها.
لن ننسى أن الولايات المتحدة قصفت مدينتين يابانيتين (هيروشيما وناجازاكي) بقنابل نووية في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945، ولن ننسى بأن الهجمتين الوحشيتين قتلتا ما يصل إلى 140 ألف شخص في هيروشيما، و80 ألفاً في ناجازاكي جلهم كانوا من المدنيين. لن ننسى أن أميركا وحلفاءها احتلوا اليابان لغاية أبريل 1952. ولن ننسى بأن هذه الأحداث لم تمنع اليابان من تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة، بل تعتبر اليابان اليوم واحدة من أكثر الدول المؤيدة للولايات المتحدة في العالم كما تعتبر الولايات المتحدة اليابان واحدة من أقرب حلفائها وشركائها.
لاشك بأننا لن ننسى... ولكن هل سنتعلم من أخطائنا ونتعظ من تجارب الآخرين؟ هل سنصون سيادتنا من خلال تعزيز علاقاتنا باتزان مع جيراننا: السعودية والعراق وإيران وأميركا؟