أحمد محمد الطويان- الجزيرة- لا توجد دولة في هذه المنطقة لديها ما لدى السعودية في التنوّع السكاني والثقافي والاجتماعي، ولا توجد دولة في العالم لديها كل هذا التنوّع واستطاعت أن تتغلّب على الفوارق مهما كانت، وتشكل لوناً وطنياً، ثقافياً وسياسياً جامعاً يؤكّد المواطنة ولا يلغي التمايز الإيجابي، في السعودية الكل يشترك في التاريخ والجغرافيا.
لا توجد حادثة تاريخية لا يكون من أبطالها أو المشاركين فيها سعوديون ينتمون لمناطق أو قبائل أو مرجعيات ثقافية مختلفة، ولا توجد منطقة يحتكرها لون واحد من السكان، السعودية بكاملها لكل السعوديين دون تفريق أو تمييز.
إعلامنا الرسمي لم يوفّق بشكل كامل في تبسيط معنى الوحدة الوطنية واستمر في الخطاب المباشر الذي لا يصل بشكل جيد للمتلقي هنا أتحدث عن إعلامنا الرسمي في أزمان الغفوة الإعلامية، وهو الآن بالتأكيد يدخل مرحلة جديدة في تطوير الخطاب وعصرنته أرجو أن يوفّق فيها القائمون عليه بإصلاح الخلل. عندما يتحدث الإعلام عن الوحدة السياسية والاجتماعية الفريدة، يعتقد البعض أن ذلك من أوصاف المديح التي تستلزمها الديباجة الرسمية، بينما الواقع الاجتماعي الذي تعيشه السعودية يختصر كل شيء ويُعجز الكثيرين في وصفه، السعوديون اختاروا وطنهم الذي هو أكبر بكثير من بيئاتهم الصغيرة، سواء كانت قبيلة أو قرية أو مرجعية مذهبية، وتجمعات سكانية مهما كان رابطها، وهذا يأتي بسبب التشابه الكبير بين جميع المكونات، وعزَّزته الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله-.
هذه الصورة الرائعة لا تعني المثالية المطلقة، هناك مشكلات فردية ولا يمكن تجاهلها، والعنصرية موجودة في كل مكان على الأرض، أمريكا وإفريقيا وأوروبا، عانت كل هذه المجتمعات لسنوات طويلة من التمييز العنصري في أبشع صوره وأشكاله، وتغلبت على المشكلة رغم قلة المشتركات في كثير من الأحيان، وكذلك نموذج العنصرية الفارسية يعتبر من أبشع النماذج، وهو يختلف عن الحالات السابق ذكرها، وخصوصاً في الحالة الإيرانية العنصرية ليست فقط ممارسة فردية ولكن تُمارس أيضاً بإسم السلطة الحاكمة.
الممارسة الفردية للعنصرية في السعودية والتي تواجه بالرفض والاستهجان وأيضاً تواجه بحزم بقرار سياسي إذا تطلب الموقف، لا يعني وجودها أننا في مشكلة كبرى، أو أننا نعاني في السعودية من «ظاهرة» ولكن الحلول الاحترازية واجبة ومهمة حتى لا نواجه مشكلة أكبر في المستقبل.
مستفز، بل مقزِّز تعميم سلوكيات محددة على أبناء منطقة بعينها، أو الانتقاص من قدر أبناء هذه المنطقة أو تلك، أو الرجوع بالزمن مائتين عام أو أكثر لاقتناص منقصة عن أسرة أو قبيلة وإثارة النعرات بحكايات تاريخية لا موثّق لها غير الأهواء، وبالطبع من لا يعرف ماذا يريد من مستقبله سيبقى حبيس الماضي، والفارغ من العلم والعمل سيشغل فراغه بكل سخافات الدنيا، ولا يوجد أسخف من العنصرية اللفظية والتي اعتبرها الأكثر انتشاراً بين أبناء مجتمعنا.
لنراجع سوياً طريقة التربية، ومناهج التعليم، وسلوكيات المعلمين، ولنبتعد قليلاً عن التعصب اللفظي، والوصف الانفعالي، والنظرة المحدودة للوطن، لنتخلص جميعاً من التصنيف على أساس مذهبي أو قبلي أو مناطقي أو حتى فكري، ولنتوقف أمام النماذج المؤلمة للعنصرية في تاريخ الدول الأخرى، لذا نحن في حاجة لتجريم العنصرية اجتماعياً إذا لم تجرم قانونياً، لنقضي على هذا السلوك المشين، فالوطن أكبر بكثير من سخافات يطلقها جاهل هنا أو هناك، فالدماء سكبت من أجل هذا البلد من ماء البحر الأحمر إلى ماء الخليج ومن الحد الشمالي إلى الحد الجنوبي،، قل أنا سعودي وكفى، وارفع رأسك عالياً.