المدينة- اتفق نواب بالشورى ورجال قانون وخبراء في التربية وعلم النفس على ضرورة إصدار نظام شامل لمكافحة التحرش باعتباره مطلباً ملحاً، مؤكدين أن إصداره لا يعنى إقراراً بالتحرش الذي يعد بمثابة ظاهرة عالمية وليست محلية خاصة مع تمدد العلاقات الإنسانية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشاروا في ذات الوقت إلى أن صدوره لا يتصادم مع الأنظمة الحالية والأحكام التعزيرية التي تقر عقوبات شرعية على كل تعدٍ على حرمات الآخرين.في البداية اعتبرت الدكتورة لبنى بنت عبدالرحمن الأنصاري عضو مجلس الشورى وأستاذ طب الأسرة في جامعة الملك سعود ظاهرة التحرش أحد مظاهر العنف الموجودة في جميع المجتمعات البشرية إلا أن مظاهرها وآثارها السلبية يتم السيطرة عليها في كثير منها بسن قوانين صارمة ورادعة تحمي الأطراف الضعيفة وتجرم من يحاول العبث بها. وأضافت: «كنت أحد الأعضاء الثمانية (٤ أعضاء و٤ عضوات) الذين تقدموا بمقترح لنظام مكافحة التحرش لمجلس الشورى منذ ما يزيد على عام ونصف تمت جدولة هذا المقترح في إحدى الجلسات للتصويت على ملائمته للدراسة ولكن لم يتسع الوقت لذلك في تلك الجلسة». وأشارت إلى أنه بعد ذلك جاء توجيه من المقام السامي بدراسته ودمجه مع أنظمة الابتزاز والاتجار بالبشر، كما قامت لجنة الشؤون الاجتماعية بدراسته في ضوء هذا التوجيه السامي، واستطردت: «أعتقد أنها انتهت من ذلك وبالتالي أتوقع أن يتم وضعه على جدول أعمال الجلسات العامة قريباً، كما لم تتم مناقشة نظام مكافحة التحرش في الجلسة العامة وبالتالي يصعب الخروج بفكرة أن هناك ضغطاً من بعض الأعضاء لما فيه من تعزيز أو «شرعنة» وجود الاختلاط. التحرش والاختلاط وقالت: «في رأيي الشخصي أن ما يراه البعض من ارتباط التحرش بوجود الاختلاط في بيئة العمل هو مفهوم خاطئ، فحالات التحرش التي تم تصويرها لم تحدث في بيئة عمل مختلطة بل حدثت في الأسواق والمتنزهات وعند المصعد. وهناك حالات كثيرة تحدث داخل الأسرة الواحدة وبين المحارم، كما أن نظام الحماية من الإيذاء مختلف فهو يتناول ما يحدث في نطاق الأسرة الواحدة أو الممتدة من إيذاء بشكل عام بينما نظام مكافحة التحرش يعنى بتجريم التحرش الذي قد يقع بين شخصين لا يعرفان بعضهما البعض». وأكدت أن انتشار العديد من الأقاويل عن سحب القانون هو عنصرية ضد المرأة السعودية و افتراضات غير صحيحة، حيث شهدت السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً في مجال تمكين المرأة على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات.وقالت: «لعل السبب الأساس من وجهة نظري الخاصة في عدم ظهور نظام لمكافحة التحرش حتى الآن هو عدم وجود تصور لحجم المشكلة الفعلي، ومرت سنوات طويلة والمجتمع (بما فيهم المجتمع الطبي) لا يصدق أن العنف الأُسَري موجود في بلادنا لذا تأخر ظهور نظام الحماية من الإيذاء ولكنه رأى النور في النهاية ولعل وجود مبادرات كبرنامج الأمان الأُسَري الوطني ساعدت على ذلك ولعلنا بحاجة إلى أرقام، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي تعكس الحجم الحقيقي للمشكلة -في رأيي- نحن لا زلنا لا نرى إلا قمة جبل الجليد وما خفي «ربما» كان أعظم ولا بد من الإسراع للحد من هذه المعاناة الصامتة». المتبرجات والمحتشماتوعن الرؤية التربوية لظاهرة التحرش قالت الخبيرة التربوية ميمونة مرزا: إن الأعداد المذكورة في إحصائية مركز المعلومات تعطي مؤشرات واضحة على أن التحرش بالنساء أصبح ظاهرة أقلقت المجتمع بكافة أطيافه خاصة وأنها طالت المتبرجات والمحتشمات من النساء، وسواء أكان التحرش لفظيًا أم جسديًا أم غير ذلك فهو لا يختص بمجتمع معين ولا بدين معين بل ينتشر في أكثر المجتمعات تدينًا، كما ينتشر في أكثرها تحضراً وانفتاحًا. وأكدت على دراسة الجذور النفسية لانتشار أي ظاهرة أو سلوك سيئ في المجتمع؛ إلا أنها لا تمثل إلا نسبة قليلة من أسباب التحرش بالنساء وبينت أن هناك أسباباً جوهرية ومعروفة لانتشار هذه الظاهرة في مقدمتها التربية الخاطئة (الرجل لا يعيبه شيء)، ثم الفراغ الكبير الذي يعاني منه الشباب مع عدم وجود وسائل وأدوات ترفيه يشغلون بها أوقاتهم، بالإضافة إلى تأخر سن الزواج للجنسين نتيجة لعادات وتكاليف لم ينص عليها الشرع، ناهيك عن انتشار الإعلام الإباحي بكافة أنواعه وأثره في تأجيج الغرائز.عقوبات تعزيريةواستدركت: «صحيح أن من أمن العقوبة أساء الأدب وأنه لا توجد عقوبات تعزيرية واضحة للمتحرشين ولكن الموضوع يحتاج إلى ما هو أكثر أثرًا من العقوبة.. يحتاج إلى وقفة قوية من المجتمع أفراداً ومؤسسات.. يحتاج إلى توعية شاملة عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة تتضمن مفهوم التحرش، وأسبابه وكيفية تجنبه من قبل الفتاة وكيفية تربية الأبناء على الفضيلة والعفة.. يحتاج وبشدة إلى تفعيل دور الشراكة المجتمعية في مجال إقامة مشروعات وبرامج ترفيهية وتثقيفية للشباب من الجنسين لشغل فراغهم وحمايتهم ليس من الوقوع في هذه الآفة فقط بل من كافة الآفات التي تفتك بهم كالفكر المتشدد، والمخدرات وغيرها.
حدد ماجد علي قنش استشاري علم النفس والسلوكيات الأسرية التحرش الجنسي بأنه عبارة عن توجيه أي نوع من الكلمات الغير مرحب بها أو القيام بأفعال لها طبيعة أو إيحاء جنسي مباشر أو غير مباشر وتؤذي السمع أو البصر أو الجسد وتنتهك خصوصية فرد أو مشاعره وتجعله لا يشعر بالارتياح أو بالتهديد أو عدم الإحساس بالأمان والخوف وأيضاً شعوره بعد الاحترام والترويع والإساءة أو الإهانة والانتهاك والشعور بدناءة الفعل والفاعل. وأشار إلى ان ذلك يعد تعريفا شاملا لكل أنواع التحرش الجنسي سواء القولبة آو الفعلية .
أكد قانونيون على ضرورة تغليظ العقوبات على المتحرشين وقال المحامي والمستشار القانوني محمد بن أحمد الديني: إن جريمة التحرش من الجرائم الجنائية التي تمس الآداب العامة والأخلاق وتعاني منها أغلب المجتمعات بمعنى أنها ليست جريمة أو مشكلة تقتصر على مجتمعنا فقط إلا أنها زادت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد حالات الاختلاط بين الجنسين سواء في الأماكن العامة وأماكن العمل جعل من ضرورة وجود قانون لمواجهة هذا النوع من الجرائم. وأضاف: «وفي رأيي أن الحد من تزايد مثل هذا النوع من الجرائم يتطلب وجود عقوبات رادعة لمرتكبيها وإعلان هذه العقوبات والحزم في تطبيقها طالما توافرت كامل أركان الجريمة، مشيراً بأن إعلان العقوبات عن طريق وسائل الإعلام له أهمية في الحد من ارتكاب تلك الجرائم. وأوضح أنه رغم عدم وجود نظام لمكافحة التحرش في المملكة إلا أن الشريعة الاسلامية -دستور البلاد- قد كفلت للإنسان حفظ الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال وجريمة التحرش هي من جرائم الاعتداء على العرض وفي الشريعة الأسلامية يطبق القاضي العقوبات التعزيرية في مثل تلك القضايا ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.وقال: إنه من المعروف أن العقوبات التعزيرية تخضع لاجتهاد القاضي وسلطته التقديرية وتختلف حسب ظروف كل جريمة وملابساتها ووقائعها. وبين أن العقوبة الرادعة كوسيلة للحد من هذه الظاهرة لايعني إغفال التوعية الاجتماعية للأفراد ولكن عندما يتحول السلوك إلى ظاهرة متزايدة في المجتمع ولا بد من تدخل القانون لضبط تلك التجاوزات خاصة ما يمس الآداب العامة والأخلاق ولا يكون ذلك إلا بتجريم تلك الأفعال وسن عقوبات رادعة لها، كما من المهم جدًا إعلان تلك العقوبات عن طريق وسائل الإعلام لما له من أهمية في الحد من ارتكاب تلك الجرائم. أما المحامية بيان زهران فبينت: أن عدم وضع قانون يخص التحرش يعود إلى أن فئة من المجتمع يرون أنه لا يوجد تحرش في المجتمع وأن وضع قانون كهذا يعني إقراراً منا بوجود الجريمة. وأضافت: وجود التحرش في مجتمعاتنا حقيقة لا يمكن إغماض العين عنها ويجب الإقرار بذلك حتى لا تتفشى أكثر، كما أن سن قانون رادع أصبح ضرورة ملحة ومطلباً ضرورياً. وأشارت إلى أن هناك فرقاً بين الأحكام التعزيرية المتبعة في هذه الحالات وبين القانون الذي يجرم وينص على العقوبات المحددة التي تكون الرد المناسب لمن يتجرأ على فعل ذلك.
أنواع التحرش.
1. التحرش باللمس وفيه يقوم المتحرش باستخدام يده للاحتكاك بجسم الأنثى أو الطفل.
2. التحرش بالنداءات والإيحاءات أو يلقي أمامه نكته بذيئة فيها إشارات جنسية.
3. التحرش بالعين ويقوم فيها المتحرش بالتحديق والتدقيق والتركيز بشكل مقصود وتكون نظراته فيها قلة أدب وخاصة إذا كان ينظر إلى مناطق الإثارة.
4. التحرش بالتعري وطبعاً هذا الفعل أشد أنواع التحرش، حيث يقوم المتحرش بتعرية نفسه أو تعرية جزء من جسمه يقصد به التأثير على نفسية المتحرش به.
5. التحرش باستخدام الصور الجنسية والأفلام الجنسية، حيث يقوم المتحرش بإرسالها للمتحرش به بغية أثارته.
6. التحرش العنيف أو ما يسمى بالاغتصاب وهذا أيضاً من أشد أنواع التحرشات.
7. التحرش الجماعي بأن يقوم مجموعة بالتحرش بالأطفال أو النساء بشكل جماعي.