د. زهير الحارثي- الرياض- جاء تفجير عسير ضمن مسلسل إرهابي دنيء، ومشروع ممنهج لتفجير الوضع في البلاد ومحاولة هز معنويات رجال الامن وزعزعة استقرار بلادنا، ولذلك نحن في الحقيقة نخطئ عندما نصف من يرتكب تلك الاعمال الإرهابية بأنه ينتمي لفئة ضالة او انه بحاجة الى إعادة تأهيل بل اعتقد جازما اننا واهمون عندما نروج ان هذا الإرهابي او ذاك يعاني من امراض نفسية وسذاجة وقلة حيلة وضعف في الفهم. هذه تبريرات لا تستقيم مع الواقع.
هم يعلمون جيدا بما يقومون به من افعال عن رغبة وقناعة وعقيدة ومدركون لحجمها وابعادها كونهم ينطلقون من رؤية شاملة وفق أدبياتهم التي تبدأ من النكاية والانهاك ومرورا بالتوحش لتصل الى التمكين.
بعبارة أخرى هم لديهم مشروع متكامل ضمن برنامج محدد ينتهي بتحقيق الأهداف، ولذا قد لا تجد اختلافا جوهريا ما بين القاعدة وداعش من حيث الآليات والنهج والوسائل وان اختلف ترتيب الأولويات فيما بينهما. غير انه تقاطعت مصالحهما في استهداف السعوديين لتصبح من صلب الاستراتيجية القاعدية والداعشية بدليل دفعهم للانخراط في أجندة معادية مستخدمين كافة الوسائل من ترويج إشاعات وماكينة إعلامية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
ان ما يجب القيام به حقيقة إن أردنا الانصاف هو محاكمتهم وليس مناصحتهم او مداهنتهم لا سيما وان لدينا المئات منهم لأنه اتضح بالدليل القاطع ان ثمة حالات عديدة ممن تم تأهيلها لم تلبث ان عادت لممارسة ما كانت تفعله قبل اعتقالها ما يدلل انها وصلت لحالة من قناعة فكرية لا يمكن تغييرها او تبديلها. ان ما فعله أولئك الارهابيون حقيقة هو انهم اجادوا التمثيل بأنهم لم يعودوا مؤدلجين ليطلق سراحهم.
على أن ما يفسر استهداف الجماعات المتطرفة لهذه الشريحة هو مسألة عدم الثبات الفكري حيث يذهب ضحيتها صغار السن فتستغلهم تلك الجماعات بكل سهولة كأدوات تفخيخية من أجل تحقيق أجندتها. القاعدي أبو مصعب السوري أشار من قبل الى طبيعة هذا العمل او ما اسماه بالجهاد العالمي عبر ست مراحل منها "ضرب أميرهكا واستدراجها لبلاد المسلمين، وبناء قاعدة قوية في العراق وإسقاط الأنظمة العربية وإعلان دولة الخلافة والاشتباك المباشر مع إسرائيل" وان النتيجة دخول العالم العربي في فوضى ما يعني ضرورة إدارة تلك المرحلة المتوحشة وفق تفسيرات القاعدة.
وبالمقابل نجد ان داعش مثله مثل غيره من التنظيمات الإرهابية من حيث التجنيد والتكتيك والتوسع والاستقطاب ألا أن بزّ الآخرين في استخدام أساليب جاذبة عبر الصورة الإعلامية المؤثرة مستغلاً وبخبث نزاعات المنطقة، وبالتالي ما يريده داعش من هذا التخريب سبق ان اوضحته السلطات السعودية من أن هذا التنظيم "وضع أهدافاً آنية هي رجال الأمن والفتنة الطائفية والمقيمون والأهداف بعيدة المدى مثل العسكرية والأمنية والاقتصادية". وأضافت أن من ضمن الاستراتيجية توزيع العناصر البشرية، وتعيين أمير على كل منطقة، وتأسيس المأوى والمخابئ، ورصد المواقع ذات الأهمية لاستهدافها.
اذن نحن بصدد نهج داعشي او قاعدي لا يهم، بقدر ما انه يحاول به إثارة القلاقل والفوضى والدفع باتجاه خلق صدام ونزاع مجتمعي على أي شكل كان من أجل الاستيلاء على السلطة. وهذا هو المبتغى والمراد الوصول اليه.
لقد آن الأوان ان يتزامن مع نجاحات السلطات الأمنية التي عززت دورها وأثبتت قدرتها المهنية في إحباط أعمال إرهابية واعتقال عناصر وخلايا، ان تتم محاكمة المعتلقين على وجه السرعة متى ما انتهت الإجراءات القانونية لتصل رسالة للجميع بانه لا تهاون مع المجرمين والإرهابيين.
غير أن سقوط معتنق هذا الفكر في يد العدالة لا يعني نهاية المطاف وقد تطلب الأمر بضع سنوات للسلطات الأمنية لكي تقضي على تلك الخلايا ميدانياً، في حين ان المعركة الفكرية لا زالت محتدمة ومستعرة كما يمكن للمتابع ان يلحظ. ويجب التأكيد ان المعالجة الأمنية ما هي إلا جزء من الحل فضلاً عن أن الجهود لمواجهة هذا التطرف فكرياً ان أردنا الحقيقة لا زالت ضعيفة وهشة، فالمواجهة الناجعة تتحقق بنشر الثقافة التنويرية واقتلاع جذور التطرف ورفضه داخلياً عبر تكريس خطاب الوسطية والاعتدال.
كما أن الشجاعة الأدبية تدفعنا للاعتراف بمساهمتنا بدور ما في انزلاق بعض شبابنا لهذه الفجوة الفكرية من دون أن نعلم، فالمؤسسات الحكومية المعنية بالشباب لم تحتوهم بالقدر الكافي، ولم تحتضنهم كما يجب بشغل أوقات فراغهم قبل ضياع الذات، فضلاً عن أن الرعاية الأسرية فشلت بحق في انقاذهم من الولوج في عالم القطيعة مع محيطهم ناهيك عن مضامين بعض مناهج التعليم التي لا يحبذ كثيرون الاقتراب منها فضلا عن مناقشتها وأسلوب التلقين والخطاب المنبري التقليدي الذي لم يعد جاذبا لجيل جديد ولد من رحم التكنولوجيا المعلوماتية، ولذلك كله فانضمام أولئك السعوديين لتلك الجماعات لا يثير الاستغراب على اعتبار أنهم نتاج ثقافة معينة تعاملنا معها بالمسكنات ولم نقتلع جذورها.
صفوة القول: النفس وهي تواجه الإرهاب اللعين ترنو إلى تشكّل مجتمع حضاري متمسك بثقافته ومنفتح على الآخر ومتطلع للمستقبل في هذه القرية الكونية، فهل استطعنا الاقتراب من ذلك الحلم؟ هذا هو السؤال .. هذا هو السؤال!