تواصل » صحف ومجلات

هذه فضيحة الإستقدام يا أمير

في 2015/08/17

طراد بن سعيد العمري- أنحاء- فضيحة الإستقدام في السعودية ليس لها من حل سوى تدخل ولاة الأمر، ونخص هنا، الأمير محمد بن نايف، نائب الملك وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. فصفته ومنصبه وخبرة وزارته تصب في صالح الحل لهذه القضية البسيطة التي تعقدت بسبب إهمال الآخرين وجشع المنتفعين وتزاحم المصالح. ليس لدينا من شك في أن ولاة أمرنا يهمهم المواطن وأمنه ورغد عيشه وتسهيل أمور حياته، كما يهمهم سمعة هذا الوطن الذي لا يجب أن تصبح تلك السمعة ألعوبة بيد الجهلة وأصحاب المصالح الضيقة في الداخل أو الخارج. ولذا، فالأمل بالله سبحانه، ثم في ولاة أمرنا كبير لكي يولوا “فضيحة الإستقدام” جزء يسير من عنايتهم وذلك بتشكيل لجنة إستماع وتحقيق حيادية من ذوي الخبرة وأهل الثقة لوضع ملف الإستقدام تحت المجهر، وعندها سيكتشفون منبع الكريه من الروائح، والعديد من الفضائح.

الفضيحة في أبسط تعريفاتها هي تجاوز يطعن المجتمع في أخلاقياته ومعتقداته. أما الإستقدام فهو التوسط في التوظيف بين صاحب عمل وعامل من الخارج. ولذا، فإن فضيحة الإستقدام هو تجاوز القائمين على موضوع الإستقدام بشكل واضح وفاضح لأبسط المعايير القانونية والأخلاقية والتجارية والإدارية والمهنية ومفهوم الموارد البشرية. المضحك المبكي في موضوع إستقدام العمالة المنزلية أن التجاوزات الفردية تقادمت لكي تتحول إلى تجاوزات جماعية، ثم تطورت مع الزمن لتصبح مؤسسية ثم تأصلت وإرتقت لكي يشارك بها جهات حكومية ثم تنامت حتى أضحت شأناً في العلاقات الدولية. ولذا لم تعد الفضيحة قاصرة على فرد أو مكتب إستقدام بل تم شرعنتها لكي يصبح ذلك التجاوز محكوم بإتفاقيات حكومية دولية.

بلغ التضجر من ممارسات وتجاوزات وفضائح الإستقدام مبلغه في ١٠ مايو ٢٠١٥م، أدى إلى إستقالة اللجنة الوطنية للاستقدام بعد ضغط كبير في كافة وسائل الإعلام العتيد والجديد. فقد كانت اللجنة الوطنية للاستقدام ورئيسها حلقة من حلقات التجاوز وعقبة كؤود (أو كأداء) في طريق أي تطوير لهذه المهنة او الصناعة، وساعد في ذلك إهمال وتواطؤ بعض المسئولين في وزارة العمل وفي مقدمهم وزير العمل السابق والحالي اللذان سهلا إنتقال موضوع الإستقدام من الفوضى للفضيحة. فبدلاً من إستغلال وزير العمل الحالي لإستقالة اللجنة وإعادة هيكلة موضوع الإستقدام ووضع ضوابط عملية، إكتفى ببضع قرارات هزيلة “زادت الطين بلة” فرفعت الإسعار وعمقت الإحتكار وأصبحت قرارات الوزير عبئاً على الضعفاء فقط: المواطن (الأهالي)؛ وصغار المستثمرين في مكاتب الإستقدام الذين أضطروا لتسريح موظفيهم أو إقفال مكاتبهم، مما جعل الساحة متروكة ومهيئة لهوامير الإستقدام.

يزعم وزير العمل أنه جاء بحل عندما أصدر قرار بأن تكون تكاليف الإستقدام من بنجلاديش (٧٠٠٠) ريال، وهذا غير صحيح، فالرئيس السابق للجنة الوطنية للاستقدام، وفي مقابلة على الهواء مع برنامج “ياهلا”عرض المبلغ والاتفاقية قبل قرارات الوزير، مما يعني أن الوزير والوزارة يتبعون اللجنة وليس العكس. يذكر نائب الوزير، أيضاً، في لقاء عن الإستقدام مع برنامج الثامنة أن الأسعار صدرت بعد دراسة مستفيضة للدول المجاورة وهذا غير صحيح مطلقاً، فمعظم أسعار مكاتب الخليج أقل وفي مدة أقل، ومن شاهد تلك المقابلة، يجزم بأن نائب الوزير في صف شركات الإستقدام وليس المواطن. ولو سلمنا بالمبلغ الذي فرضته وزارة العمل إعتباطاً، هل هناك من جدول تفصيلي لما يتضمنه المبلغ؟ الجواب، بالتأكيد، لا. سؤال آخر: هل هناك من أنظمة وقوانين تلزم الوسطاء في الإستقدام بأي مسئوليات قبل أو خلال أو بعد مرحلة الإستقدام؟ ماهو الجهد الذي يقوم به الوسيط المحلي في الإستقدام؟ إذاً كيف يتم تحديد كلفة من دون تحديد وتوصيف للخدمة والجهد؟

تسوّق وزارة العمل ووزيرها أن لديهم الرغبة الأكيدة لتطوير هذه الصناعة، ولكنهم يعلمون أن مايقولونه غير صحيح بل ومتناقض مع مايفعلونه (١) إهمال واضح لمراقبة ومتابعة وتنظيم سوق الإستقدام في العمالة المنزلية في الداخل؛ (٢) دفع السوق نحو شركات الإستقدام التي عبثت أيما عبث فسهّلت لها الوزارة الهيمنة بطرق شتى؛ (٣) اللهث خلف إتفاقيات دولية تؤكد وتشرعن الفساد في الإستقدام داخلياً وخارجياً. ولذا، أدركنا أن فضيحة الإستقدام التي تكونت من التجاوزات المركبة، لا يجب التعامل معها إلا من خلال الجهات الأمنية وإستبعاد أي تأثير من المستفيدين، وعندها فقط سيظهر تجذر عروق الفضيحة وعظم تفرعاتها.

نأمل من لجنة الإستماع والتحقيق التي سيشكلها وزير الداخلية: (١) أن تجمع كل محاضر ومراسلات اللجان الفرعية للاستقدام في الغرف التجارية، واللجنة الوطنية للاستقدام في مجلس الغرف السعودية؛ (٢) جمع كافة ما يتعلق بالإستقدام في وزارة العمل من مراسلات وتعاميم وتعليمات وأنظمة وقوانين وتراخيص ومنح تأشيرات وإتفاقيات دولية؛ (٣) جمع كل ما يتعلق بالإستقدام في الممثليات والقنصليات السعودية في الخارج؛ (٤) جمع كافة الوثائق والعقود والتنظيمات والميزانيات وسجلات العاملين في شركات الإستقدام ومايتبعها من مراكز تدريب أو فحص طبي للعمالة؛ (٥) أن لا يتم تمثيل وزارة العمل أو أي من الجهات الملتصقة بالإستقدام في عضوية اللجنة وأن يكون أعضاء اللجنة من المستقلين والحياديين. (٦) أن تنهي اللجنة أعمالها خلال مدة لا تتجاوز (١٨٠) يوماً ورفع تقريرها إلى وزير الداخلية.

فضيحة الإستقدام تلقي بضلالها السلبي على كافة مكونات الدولة والمجتمع. المواطن، والمنشأت، والغرف التجارية، والدوائر الحكومية، والقنصليات السعودية في الخارج. الأدهى والأمر، أن الإستقدام بات قضية مغرية للسياسيين في الدول المصدرة للعمالة أما للنيل من السعودية أو لنيل بعض المميزات من المتاجرين بالإستقدام. كل ذلك بسبب حفنة من عديمي الضمير المحسوبين على قطاع الإستقدام السعودي. تم إستغلال الإقبال التجاري والمنزلي على العمالة الأجنبية والحاجة الماسة لذلك الإستقدام سواء كان حقيقياً أو وهمياً للإثراء الغير مشروع والفساد مما أضر بالمستقدِم والمستقدَم. ووزارة العمل التي كان حرياً بها المنافحة والمدافعة عن المواطن والوطن إنساقت في المعمعة والفضيحة بحسن أو سوء نية، الله، ثم اللجنة التي سيشكلها وزير الداخلية، أعلم.

أخيراً، ليس مقبول من أي وطني حقيقي أن يسكت على فضيحة الإستقدام مهما حاول شريطية الإستقدام فعله من تهديد برفع قضايا قانونية أو إستخدام وسائل رخيصة لإرهاب الكتّاب والمغردين، فالوطن فوق الجميع. نحن إخترنا مهاجمة العبث والفساد والتجاوزات التي أنتجت فضيحة الإستقدام ونحن نعلم أننا نهاجم عِش الدبابير ولكن ثقتنا بالله ثم في ولاة أمرنا وعزمهم على فعل أي شيء مهما بلغ ثمنه أو العناء فيه لصالح المواطن والوطن، تلك الثقة هي الطاقة الإيجابية التي تسيرنا بعد توفيق الله سبحانه وتعالى. ختاماً، المرأة الطاعنة في السن في عرعر، أو الطفل المعوّق في نجران ينادون ولاة الأمر للتدخل في خدمة سمحت بها الدولة لتسهيل حياة الناس، فإستغلها أهل الجشع والفساد للتنغيص على الناس. حفظ الله الوطن.