رأي الطليعة - الطليعة- لاتزال الهجمة على الحريات العامة تتواصل، وترتفع وتيرتها، من خلال اقتراح وإقرار القوانين التي تستهدفها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بهدف التضييق، وفرض المزيد من القيود عليها، بل تغليظ العقوبات، حتى أضحت الكلمة محرَّمة قانونا، في حين أن الدستور، الذي أقسم عليه الجميع، باحترامه وتطبيقه، والالتزام به، أعطى مساحات واسعة لحرية الرأي والتعبير ووسائل النشر.
هذا السلوك يعبّر بوضوح تام، أن المحاولات السابقة الرامية لإفراغ الدستور من محتواه الديمقراطي، بهدف شله وتعطيله، لم تجدِ نفعا، فجاءوا اليوم بطرق ووسائل تحد من الصلاحيات التي منحها، من خلال إطار عام ذي شكل ديمقراطي، ولكن منهجيته خلاف ذلك، فأسوأ ما في الديمقراطية، هو استخدامها لضرب نفسها.
إن ما يحدث اليوم من ممارسات من قِبل السلطة، وحلفائها، لترتيب الوضع المحلي، بشكل يمنع أي معارضة لتوجهاتها، وخصوصا من القطاعات الشبابية، الذين تجاوزا الواقع الكويتي، وصولا إلى العالم الافتراضي، باستخدام التقنيات التكنولوجية المتقدمة، وهو ما سبَّب إزعاجا كبيرا للسلطة، التي لم تجد أمامها سوى السير بطريق يُخالف التطور الحضاري السليم.
إن المعالجات لأي أزمة تمر بها البلاد تنطلق من فهم حقيقي لمكونات الدستور، وتحديدا ما يتعلق بالحقوق العامة للأفراد، التي بدلا من أن تتوسع، أخذت تتقلص تدريجيا، حتى أصبحت من المحرمات، وباتت الحرية والكلمة والانتقاد من الجرائم!
من الواضح أن السلطة لم تستوعب الدرس جيدا، فالأزمات لا تعالج بالتقييد، بل بالمزيد من الحريات المسؤولة، التي يوفرها ويعمل على حمايتها وتعزيزها النظام الديمقراطي.. فيكفي الإشارة هنا إلى نص المادة السادسة من دستور الكويت، التي تؤكد أن «نظام الحُكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا».
لقد عالجت المذكرة التفسيرية لدستور الكويت العديد الأمور والقضايا، التي لو تم العمل بها، لما وصلنا إلى الحال التي نعيشها، فقد أشارت بين ثناياها إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي «ومن وراء التنظيم الدستوري لمسؤولية الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام، التي لا شك في أن الحُكم الديمقراطي يأخذ بيدها، ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحُكم، وهذه المقومات والضمانات في مجموعها، هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية، فتكفل لهم – إلى جانب حق الانتخاب السياسي – مختلف مقومات الحرية الشخصية (في المواد 30، 31، 32، 33، 34 من الدستور) وحرية العقيدة (المادة 35) وحرية الرأي (المادة 36) وحرية الصحافة والطباعة والنشر (المادة 37)، وحرية المراسلة (المادة 39) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43) وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44) وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45)، وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتما الوعي السياسي ويقوى الرأي العام، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية، تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة».
نقول هذا الكلام، ونعيد تكراره مرارا، لأن مسار تجاوز الأزمات موجود أمام الجميع، ومن السهولة تطبيقه والتعامل معه، إلا إذا أراد البعض غير ذلك، وهو ما نلحظه في السنوات الأخيرة، من إقرار جملة من القوانين، تهدف إلى كبح أي تطوُّر ديمقراطي.