بندر بن معمر- الشرق- الوحدة السعودية التي سقتها دماء الآباء المؤسسين مع قائدهم عبد العزيز هي المستهدفة من الإرهابيين ومَن خلفهم، فالمخطط كبير وأهدافه بعيدة المدى..
عند سماعي -يوم الخميس الماضي- نبأ تفجير مسجد قوات الطوارئ بأبها واستشهاد خمسة عشر مصليا، أحد عشر من شباب الوطن وأربعة إخوة لنا من الجنسية البنجلاديشية «رحمهم الله جميعا»، لم أتفاجأ كثيراً لأن هذا هو السيناريو المتوقع، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق نشر في العدد رقم «1271» من هذه الصحيفة، قد يكون عنصر المفاجأة في الزمان والمكان. بيوت الله التي يؤمها المصلون ويقصدها العابدون، يأبى المجرمون على اختلاف مللهم ونحلهم إلا أن تكون ساحات للقتل والتفجير بدلا من الذِكر والتكبير. رمتهم بسهم الغدر عند صلاتهم، عصابة شر للصلاة عداة
قرون خلت والجزيرة العربية في تفرق وتناحر وخوف وجوع، حتى جاءت الوحدة المباركة فأبدل الله التفرق وحدة، والتناحر لُحمة، والخوف أمنا، والجوع رزقا، فلله الحمد والمنة. الوحدة السعودية التي سقتها دماء الآباء المؤسسين مع قائدهم عبدالعزيز هي المستهدفة من الإرهابيين ومَن خلفهم، فالمخطط كبير وأهدافه بعيدة المدى. ترويع الآمنين ومحاولات إحراج الدولة هو المقدمة وما يرمي إليه أولئك أكبر، ولكنهم مخذولون بإذن الله.
الجديد هذه المرة ليس استهداف رجال الأمن، المؤمنون بربهم حقا والمدافعون عن وطنهم صدقا، ولا استهداف المساجد بل دمج الهدفين في هدف واحد. أبناؤنا من قوات الطوارئ الذين رسموا بإنسانيتهم أجمل المشاهد وهم يخدمون ضيوف الرحمن، هم أنفسهم من سطروا ببطولاتهم أروع الصور في قمع الجماعات الإرهابية وكسر شوكتهم منذ بدء هذه الموجة في 2003م. ولئن تمكن الإرهابيون من تنفيذ بعض العمليات، فلقد نجح رجال أمننا البواسل في إحباط عشرات العمليات والقبض على مئات المجرمين.
ما لم ينجح إلى الآن هو المواجهة الفكرية التي ما زالت قاصرة. المنظمات الإرهابية التي تخدم أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، وتأتي داعش في مقدمتها هذه الأيام، جعلت من شبابنا وقودا للإرهاب. السؤال: لماذا تنجح داعش ومَن قبلها من الجماعات الإرهابية في استقطاب شبابنا، وأين تكمن نقطة الجذب وكلمة السر، خاصة مع صغار السن؟ وما الذي يجعل خطاب تلك الجماعات جاذبا لأولئك الناشئة؟
لاشك أن هناك استغلالا لعللنا واختلالاتنا الاجتماعية، وخطابنا الفكري المضطرب، علاوة على تصدر المشهد لبعض من لا يحسنون الحديث فيفيدون ولا يحسنون السكوت فيستفيدون، بل بحديثهم وطرحهم يضرون وهم يحسبون أنهم ينفعون.
البيانات الإنشائية، والخطاب الوعظي، والنظرة السطحية، والحديث عن التحريض والمناهج والمناشط لم تؤد إلى نتيجة إلى الآن، فأين مكمن الخلل يا ترى؟
وعلاج الأبدان أيسر خطباً
حين تعتل من علاج العقول
المواجهة الفكرية -في ظني- تتطلب فهماً دقيقاً لتكوين هذه الحركات والمنظمات وطريقة تفكيرها وآليات عملها ومنهجية الاستقطاب لديها، كما تتطلب فهما لخطابها الديني ورؤاها العقدية وبنيتها الفكرية والحركية. خطابنا الديني إلى الآن لم يواجه -بالشكل المطلوب- الخطاب التكفيري في أوساط الشباب المتدين والمتحمس. الخطاب المعتدل -مع الأسف- يخسر في مواجهة خطاب التطرف والتكفير. لم أطلع على نقد ونقض مُقنِع لشبهات التكفير والتفجير يخاطب عقول الشباب المستهدف، بدءاً من نظريات المقدسي في كتابيه «ملة إبراهيم» و«الكواشف الجلية» مروراً بكل الأدبيات والمؤلفات والرسائل «الجهادية» التي صدرت بعد ذلك وانتهاء بكتاب «إدارة التوحش». اللافت أن هذا الكتاب صدر قبل أن نسمع عن داعش، التي اتخذته خارطة طريق لها، فهو يشدد على ضرورة «البناء الهيكلي المركزي» وهو ما تميزت به داعش عن الحركات الإرهابية الأخرى، بأن حاولت أن يكون لها كيان سياسي. نحن أمام نوع مختلف من الخطاب الإسلامي «الجهادي»، خطاب ذي مضامين متعددة يبرز فيها البعد الفكري يليه البعد العسكري ثم السياسي، كما أنه خطاب يعتمد على قراءة الواقع مع محاولة رسم المستقبل، أكثر مما يرتكز على الماضي. إضافة إلى أن حالات الاستنساخ أو -«التفريخ» كما يصفها الدكتور رضوان السيد- للمنظمات الإرهابية تحتاج إلى أن نتوقف عندها ونبحث في أسبابها.
المعركة فكرية بامتياز والأمر يتطلب نقدا معرفيا وعقديا وفقهيا لهذه الأدبيات، ولابد من إعداد استراتيجية للمواجهة الفكرية تعتمد على فهم طريقة تفكير هذه الجماعات وتفكيك خطابها باستخدام اللغة التي يفهمها المستهدفون. ولأُقرب الصورة فهذا مؤلف «إدارة التوحش» يحذر في كتابه من «الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة السُننية لسقوط الحضارات وبنائها». وكأننا هنا نقرأ عن مبدأ الفوضى «غير» الخلاقة!
يعادون ديناً لا يعادون دولة
لقد كذبت دعوى لهم وشكاة
ولاخير في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيل طلاب الحقوق بغاة
الأسر والمؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية يجب أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الإطار، وماذا قدمت جامعاتنا التى تتنادى لعقد مؤتمرات لقضايا أقل أهمية في هذا المجال، وأين البحوث والدراسات والرسائل الجامعية التي تُعنى بهذا الجانب. فما لا نريده هو أن نتساءل: كيف نحمي الوطن من أبنائه؟
التدعيش الإلكتروني.. وتفاصيل غائبة..!!
عبدالعزيز اليوسف- اليوم- لكي تعلم حجم الأسى، وفداحة الخسارة، ودرجة الحزن، انظر إلى حجم فرح أعدائنا، وتشمت الحاقدين بنا، وتشفي الناقمين علينا، فما لبسنا أثواب العزاء بيننا، ارتدوا هم ملابس السرور، وما نطقت به ألستنا من حديث المواساة حولنا، تكلموا وثرثروا هم بأحاديث التهاني.
حين يكثر حولك الحساد، المتربصون، المرجفون، عشاق الدوائر، وهواة الفساد، ومحبو التخريب، تدرك أن قيمتك أحرقتهم فاشتعلت نيران الكراهية داخلهم، فلديك ما ليس لديهم من الرشد، ولديهم ما ليس لديك من الضلال.
أعداؤنا "الداعشيون" في الخارج وأدواتهم "المدعّشة" في الداخل، يوظفونها بطريقة ممسوخة لا تعرف كيف يكون التأثير، ولا نعلم كيف يكون الاتصال، ولا نفهم كيف تمّ التواصل، لقد تحدث الكثير عن الفاعلية والتأثير السلبي لوسائل الاتصال "التدعيش" الحديثة وخصوصا تويتر.
لكن لم نفهم علميا كيف يتأثر هؤلاء وتغسل أدمغتهم، ويصبحون كرجال آليين يوجهون في كل اتجاه بدون وعي، لم يخبرنا البعض عما هو وكيف وصل محتوى الرسائل القذرة إلى قلوب وعقول أبنائنا؟ وكيف استجابوا لذلك؟. فتوجب متابعة خمسة أمور بنيت عليها العملية الاتصالية، المرسل (أين هو، ومن هو، ومتى، وما موقعه؟)، الرسالة (محتواها، مضمونها، طريقتها، شفرتها)، المستقبل (من هو، أين هو، متى تلقى الرسالة، ومن أين؟، (الوسيط، ما نوعه، اسلوب التعامل فيه، خِدَعه، اختراقه، تأمينه)، وأخيرا (الاستجابة من المستقبل، كيف ولماذا ومتى استجاب، وما حاله).
مما لفت انتباهي في تصريح لسعادة اللواء "التركي" المتحدث الرسمي أن من فجّر تم إطلاقه بعد احتجازه لمدة شهرين، حيث لم يلاحظ عليه أي انحراف، أو علامات سيئة، أو سلوك غير قويم ثم تجده يتقدم طابور التفجير.
وأذكر أن له تصريحا سابقا ملفتا أيضا ويتماهى مع ذلك، حيث إن كثيراً ممن يحملون فكرا ضالا أو انحرافا، أو ميلا أو تعاطفا مع الإرهابيين لا يبين عليهم شيء، ولا يلاحظ عليه أي أمر وكأن لديهم قدرة خارقة على التخفي النفسي والظاهري أمام الناس؛ مما يدفع البعض إلى تقديم الشك على اليقين لاحتمال وجود تمثيل، أو محاولة تمويه عن واقع الحال.
وهذا يمثل إشكالية حقيقية، وواقعا مؤلما مشوها ومموها ومتقلبا، حين يتخذ بعض أولئك الضالين الإرهابيين أسلوبا خادعا لمن حولهم، ومضللا لمن يتعامل معهم، ويدل على أن بعضهم أو من يغرر بهم يزرع فيهم قدرة التمويه والتعايش الكاذب مع الناس، والسؤال يبقى من أثّر، وكيف تأثّر، ومتى تأثّر، وأين تأثرّ؟.
هذا ما نتمنى على جهاتنا الأمنية المعنية أن تقوم بدراسة عميقة ومستفيضة وتفصيلية لأدق الأمور، ترصد، وتحلل، وتفكك، وتستقرئ كل الوقائع الصغيرة والكبيرة، وتقوم بدراسة الحالات التي لديها سواء، العمر، الحالة الاجتماعية، الحالة الصحية، الحالة النفسية والعقلية، الحالة المادية، الحالة التعليمية، الحالة الأسرية، الحالة الدينية، الهوايات، الاتجاهات، اختبار المخدرات، فحص الدم، فترات التعرض لوسائل الإعلام، السلوك الظاهر والسلوك الخفي، السفرات، السؤال عنه، كل شيء يتم فحصه والتحقق منه بجودة وجدية وبلا إغفال أي جانب.
ثم يكون لدى الجهات الأمنية الكريمة قاعدة بيانات هائلة عن كل الحالات التي تم التعامل معها؛ للوصول إلى أقرب نقطة تجعل وتعين المجتمع والأسرة أن تتعرف على المطلوب، وتعين الجهة الأمنية على الاستقراء والاستنباط والاستشراف لأي حالة.
ختام القول: أعلم أن جهاتنا الأمنية المعنية لديها من الجهود، والفكر، والإستراتيجية، والأدوات، والاختبارات، والتقنيات ما لا نحيط به علما، ولكن الشيطان يكمن دوما في التفاصيل وعادة بعض التفاصيل تغيب عنّا أو نغفل عنها، لذا كان التعامل مع كل الجوانب الصغيرة قبل الكبيرة مطلبا حثيثا، سيكشف الكثير.
الأسرة حائط الصد الأول ضد الإرهاب
أيمـن الـحـمـاد- الرياض- البحث في جذور الإرهاب يدفعنا دوماً لعامل التنشئة كمحدد رئيسي في صياغة شخصية الفرد وتحديد توجهه وطريقة سلوكه وتفكيره والبحث في السبل التي دفعت الشخص لاختيار التطرف والتشدد طريقاً له، وبالتالي إيجاد المخرج والمبرر لارتكاب أفعال إجرامية وإرهابية.
فرضَ شكل الحياة العصرية والسريعة وما لحقها تغيراً كبيراً على هيكل الأسرة وهيئتها، وتحولَ مفهوم الأسرة إلى مفهوم رمزي أكثر من كونه موجوداً بشكل محسوس، فالأسر التي انغمست في مقتضيات الحياة التي تسومها مفاهيم اللحاق بمغريات العصر وتحسين مستوى المعيشة أدى ذلك إلى تخليها عن مسؤولياتها الاجتماعية والانصراف عنها، لتستحيل هذه النماذج إلى عائلات متشظية ومتفرقة وغافلة، فالأب والأم قد انصرفا إلى اهتماماتهم الشخصية وتحقيق ذاتهم، ويتفاجأ الوالدان باختفاء أحد أبنائهم وتزداد علامات تعجبهم واستغرابهم عندما يصل إلى مسامعهم أن ابنهم قد قُبض عليه بسبب انتمائه لمنظمة إرهابية أو أن ابنهم قد التحق وانخرط في ساحات القتال في البؤر الساخنة في الشرق الأوسط في سورية أو العراق..
تأثير الأسرة في ضبط فكر أبنائها والقرب منهم والاستماع لهم ولهمومهم هو حائط الصد الأول في وجه الأفكار المتطرفة ومروجيها، إذ بقدر ما كان هذا الحائط متيناً وقوياً وعالياً بقدر ما تزداد مناعة وأمن هذا الابن أو البنت وانعكاس ذلك سلاماً واستقراراً على العائلة والمجتمع والوطن بأكمله.
لقد أثار موضوع التحاق الغربيين ب»داعش» والتنظميات المتطرفة ذهن الباحثين هناك. وقد توصلت دراسة معمقة أعدتها الجهات الأمنية في هولندا حيث يتواجد في سورية والعراق حوالي 180 مقاتلاً هولندياً، أن أغلب الذين يجذبهم التطرف يسكنون في مناطق فقيرة ومهمشة وينحدرون من أسر تعاني مشاكل مادية واجتماعية مثل الفقر والطلاق والتفكك الأسري.
يتيح ترابط العائلة وتماسكها والاتفاق خاصة في الأسر التي وقع فيها انفصال بين الأب والأم على رعاية محصلة زواجهم من الأبناء والتعهد برعايتهم، يتيح ذلك معرفتهم وتنبؤهم بأفكار أبنائهم ومعرفة المؤثرين في حياتهم الذين كانوا في السابق هم أبناء الحي ليصبحوا الآن أبناء «القرية العالمية» القاطنين في «تويتر» و»الفيس بوك»، ويلحق في دائرة التأثير على الأبناء المدرسة والمسجد، ففي هذه العناصر من يحاول أن يستغل مكامن الضعف في العائلة وتخلفها في رعاية أبنائها، ليجذبوهم نحو بيئات يوهمونهم فيها بأهميتهم وقوتهم ويشعرونهم بشخصيتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار.
إن دور مؤسسة الأسرة في مكافحة الإرهاب لا يقل أبداً عن دور المؤسسة الأمنية بل هو دور أساسي ومكمل لها، وبقدر ما تكون العائلة متنبهة لأفرادها بقدر ما توفر العناء والمشقة على نفسها وعلى المجتمع والقائمين على رعاية أمنه.