عبدالعزيز بوطيبان- الشاهد- كثر الكلام عن المطالبة بتعديل منهج التربية الإسلامية في وزارة التربية والتعليم خصوصا هذه الأيام وبعد الحادث الاجرامي الذي راح ضحيته مواطنون ابرياء يصلون لله تعالى في المسجد ركعا سجدا رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، وهذه المطالبة تأتي متماشية مع كل الاطروحات والحلول التي وضعها السياسيون والتربويون وغيرهم في كيفية معالجة التطرف والإرهاب في المجتمع، استجابة لدعوة ولي الأمر حفظه الله،ويعزو المطالبين بتعديل المنهج طلبهم هذا بوجود مسائل في المنهج تبث الفرقة بين افراد المجتمع، وتحث على التطرف وتكفير المسلمين الموحدين وتصفهم بالمشركين، فما مدى واقعية هذا الكلام، ولأني لم اجد احداً من الاخوة الافاضل، المطالبين بالتعديل قد فصل في هذا الطلب، أقول مستعيناً بالله تعالى: لقد آن الأوان لنتكلم عن هذا الموضوع الحساس ونناقشه مناقشة علمية للوصول الى الحقيقة، وقبل الولوج في الموضوع سنقدم مقدمة لهذا الموضوع وهي أولا: نشكر الاساتذة الافاضل الذين قاموا بتجديد منهج التربية الإسلامية في الالفية الثانية، فقد اجادوا فيه فجزاهم الله خيراً، غير أن الكمال لله تعالى، حيث وقع منهم خطأ في باب العقيدة، وهو ادراج بعض المسائل الخلافية الكبرى ذات الحساسية التي وقعت بين المسلمين، والدفع في اثبات ان ماقرره المنهج هو الصواب قولا واحدا للمسلمين من دون خلاف، واذا قُلت تعديل المنهج فانني أقصد هذه المسائل لاغير، وكذلك أعتقد من يطالب بالتعديل. ثانيا: ان هذه المسائل التي وضعت في مقرر العقيدة قد انتبه لها عددا من أعضاء مجلس الامة الموقر، فحاولوا مرارا وتكرارا على الغائها من المنهج، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فاحترم رأي الاغلبية في المجلس وترك الأمر كما هو عليه، أما بعد التفجير الآثم فالوضع يختلف تماما، لأن من فجر نفسه وأزهق ارواح المسلمين المصلين الموحدين، يعتقد انهم كفرة ومشركين، وذلك نتيجة للشحن الفكري الذي تلقاه هذا المتطرف، سواء من دروس على يد مشايخ أو كتب دينية أو فضائيات أو مناهج تدرس في المدارس، فيكون بذلك ارضا خصبة لمن يريد أن يستغله «كالدواعش» وأبلغ دليل على صحة هذا الكلام هو ما قاله المتهم الاول في التفجير الإرهابي، اذا ما بعد البيان بيان. فالتكفير هو التكفير وان اختلفت ازمنته أو مبرراته أو مسميات جماعته واحزابه. مناقشة المطالبة بتعديل منهج التربية الإسلامية: سنناقش هذا الموضوع في ثلاثة نقاط: 1 - ماهي المسائل والمواضيع التي يعتقد انها هي المقصودة بطلب تعديل منهج التربية الإسلامية؟ 2 - هل ما ذكر في هذه المسائل يؤدي إلى تكفير المسلمين، ويزرع التطرف ضد المخالف؟ 3 - هل هذه المسائل من المتفق عليها عند علماء الامة ؟ أم هي من المختلف فيها ويمكن الاستغناء عنها؟ أولاً: المسائل التي ذكرت في منهج التربية الإسلامية مثار الجدل حسب ماهو متوفر عندي من المصادر، وهل يوجد هناك غيرها في الفصول الاخرى ام لا ؟ الله اعلم ولكني لا استبعد ذلك. أ-الصف التاسع الطبعة الاولى 1427 هجرياً «2006 – 2007 ميلاديا» صــ23 يقول المؤلف: «ومع الاسف الشديد فقد اتخذت القبور في بعض البلاد أوثانا تعبد من دون الله، يذهب اليها الناس يطلبون من أصحابها قضاء حوائجهم بحجة انهم ناس صالحون ولهم جاه عند الله، وقد نسوا أن هذا – والله هو قول المشركين» 1.هـ «وعنوان هذه الفقرة معنى العبادة ومن يستحقها». ثم يستشهد المؤلف بعد هذه الفقرة، وايضا قبلها بآيات قرآنية، وبعدها عنوان «خطورة الشرك». ب-الصف العاشر الطبعة الثانية 1429 هجريا «2008-2009 ميلاديا» صـ42 ومن الشرك الظاهر «التبرك بالاشجار والحجارة والاثار» ومن التبرك المحرم ما يفعله العامة من تقبيل أعتاب القبور والاضرحة.1هـ، ثانيا: اذا نظرنا الى هذه المسائل وجدناها تتعلق بزيارة القبور، ومن تمعن فيها وقرأ ما قبلها وما بعدها، وجد انها قد رتبت على طريقة بحيث أنها تتدرج بالطالب أو القارئ لتوصله إلى الاعتقاد بأن كل من قصد زيارة قبور الصالحين أو آل البيت رضي الله عنهم، وحتى من قصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بغرض السلام والتبرك والتوسل والاستغاثة، فهو واقع في الحرام والشرك الاكبر، والمشرك هو الكافر المخلد في النار، والسؤال الذي يطرح نفسه: من هم الزائرون لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الصالحين؟ الجواب البديهي هم المسلمون الموحدون من جميع فئات المسلمين وطوائفهم سنة وشيعة، ان لم نقل هم السواد الاعظم، فيشب التلميذ على هذه العقيدة فاما أن يكون قنبلة موقوتة كما فجر هذا الإرهابي بنفسه «تكفير ثم تفجير»، أو يصبح في قلبه كره للمسلمين المخالفين له على اختلاف مذاهبهم. اذا من الواضح الذي لا شك فيه أن هذه المسائل التي وضعت بهذه الطريقة، تدعو الى تكفير الاخر المخالف للرأي، ووصفه بأخطر الاوصاف وهو الشرك الذي يخلد صاحبه في النار، وتصنف المسلمين على هذا الاساس موحد ومشرك. ثالثا: مما لا شك فيه عند اهل العلم، ان هذه المسائل هي من اخطر المسائل التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين منذ قرون، ولا يزال الخلاف قائماً وسنشير اليه اشارة فقط لأن المقال ليس مخصصاً للتفصيل في هذه المسألة، ولكن لنثبت أن هناك رأياً مخالفاً لما ذكر في منهج التربية الإسلامية، وأن هذا الرأي المخالف هو ما عليه كثير من علماء الامة والسواد الاعظم من المسلمين وهو الرأي الراجح والمناسب لما نحن بصدده لمكافحة التطرف. فنقول: ان قصد زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم وقبور الصالحين، للتبرك والسلام والتوسل امر قد جرى عليه الصحابة وسلف الامة رضي الله عنهم، ولم يقل أحد منهم ان في هذا العمل شركاً أو عبادة لغير الله تعالى. قال: شيخ الإسلام العلامة الرملي الشافعي في احدى فتاواه بكلام طويل «ان الاستغاثة بالانبياء والمرسلين والاولياء والعلماء والصالحين جائزة، ولهم اغاثة بعد موتهم لان معجزة الانبياء وكرامات الاولياء لاتنقطع بموتهم».1هـ الى آخر ما قال «سعادة الدارين» السمنودي صـ328.