عبدالله بن ربيعان- الحياة- طرحت وزارة المالية هذا الأسبوع سندات اقتراض حكومية بمقدار 20 بليون ريال، والغريب أن وكالة «رويترز» هي أول من نقل الخبر، وليس قناة أو وسيلة إعلام سعودية. وكان محافظ مؤسسة النقد الدكتور فهد المبارك أعلن في أوائل تموز (يوليو) الماضي اقتراض الحكومة 15 بليون ريال من مؤسسات مالية محلية، إضافة إلى سحبها 244 بليون ريال من الاحتياطي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
بدورها، نشرت صحيفة «مال» الإلكترونية أيضاً قبل أيام خبراً عن عزم الحكومة طرح سندات مديونية بـ100 بليون ريال خلال العام الحالي، وهو خبر لم تنفه الأجهزة المعنية ولم تؤكده، وإن كان مبرراً ومحتملاً بشكل كبير في ظل تدني أسعار النفط حالياً.
وللتذكير والمقارنة، كانت وزارة المالية قدرت الإيرادات المتوقعة في موازنة العام الحالي بـ715 بليون ريال، في مقابل نفقات تبلغ 860 بليون ريال، أي بعجز متوقع بحدود 145 بليون ريال، إلا أنه فعلياً فإن ما تم سحبه من الاحتياطي إلى اليوم، بحسب حديث محافظ «ساما»، مضافاً إليه مقدار دين السندات المطروحة، يبلغ حوالى 279 بليون ريال (244 بليون سحب من الاحتياطي + 15 بليون إصدار السندات الأول + 20 بليون إصدار السندات المعلن هذا الأسبوع)، أي أن العجز بحسب البيانات الحالية زاد إلى اليوم بالضعف تقريباً عن الرقم المقدر في الموازنة بداية العام.
بالطبع، ما زلنا في منتصف الشهر الثامن من العام المالي، ويتبقى أربعة أشهر ونصف الشهر على نهايته، وربما شهدت الفترة المتبقية إصدار سندات دين جديدة أو السحب من الاحتياطي أيضاً، قبل إقفال حسابات السنة كاملة بنهاية كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
بالتأكيد، الدين أو اللجوء للاحتياطي خياران كلاهما مر، ولكن لا بد مما ليس منه بد - كما يقال - فنظراً إلى فقد البلد ما يربو على 46 في المئة من عوائدها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وهي المصدر الأول والكبير للإنفاق، فإن الوضع ما يزال في حدود المقبول والطبيعي. وإن كنت شخصياً أميل إلى سداد العجز من خلال السندات، بدلاً من اللجوء للسحب من الاحتياطي، لاعتبارين هما:
أولاً: أن الاحتياطي سيعمل كالمخدر، وينسينا التعامل مع الوضع كما هو اليوم حتى نكتشف أننا صرفنا كثيراً من الاحتياطي من دون أن ندري، كما أن الاحتياطي فيه حقوق للأجيال المقبلة ويجب ألا نتعدى على حقهم فيه.
ثانيا: أن البديل للاحتياطي وهو الاقتراض عن طريق السندات رخيص الكلفة، فما زال سعر الفائدة منخفضاً، كما أن الاقتراض ما زال من مصادر داخلية، وليس مصادر أجنبية، إضافة إلى أن حجم الدين العام إلى الناتج المحلي ضئيل جداً في المملكة، بل إن المملكة هي أقل دولة في العالم بحسب حجم الدين العام إلى الناتج المحلي.
وفي حال الخيار الثاني، فإن الشرط الضروري واللازم تحققه هو أن تكون الفائدة العائدة من استثمارنا للاحتياطيات تفوق وتغطي فائدة الدين التي سندفعها على السندات، وما لم يتحقق ذلك فهو دليل على عدم كفاءة إدارة استثماراتنا المالية.
تبقى ثلاث نقاط مهمة تتوجب الإشارة إليها أيضاً، وهي:
الأولى: أن الاقتراض أو اللجوء للاحتياطي أمر يجب أن يتم بشفافية تامة، فمن غير المنطقي ألا نعلم كاقتصاديين ومهتمين ومواطنين قبل ذلك عن إصدار السندات الأخيرة إلا من وكالة «رويترز»، فالأولى إطلاع الناس وإعلان الوضع المالي للموازنة بكل شفافية وصدقية، ويجب أن يخرج وزير المالية ومحافظ «ساما» للعلن ويوضحان خططهم المالية بكل شفافية.
الثانية: أن غياب الإحصاءات الربع سنوية عن الموازنة وما يتبعها من فائض أو عجز أمر غير مبرر، فالإعلان الفصلي يعطي جهات الحكومة الأخرى إشارة لكيفية التعامل مع الوضع كما هو اليوم وتغيير خططها وبرامجها تبعاً لذلك، وأما طريقة الإعلان السنوي فمتأخرة وغير مفيدة للتصرف الجيد خلال العام المالي.
الثالثة: أن دخول الموازنة فترة العجز تترتب عليه استحقاقات على الجهات الحكومية الأخرى، وعلى سبيل المثال فليس من المنتظر زيادة فرص التوظيف في الحكومة في ظل العجز، وهو أمر يجب أن تستعد له وزارة العمل «أوتوماتيكيا» بزيادة نشاطها وجهودها لإلحاق الشباب بالقطاع الخاص، وعلى ذلك يمكن القياس.
ختاماً، حققنا فوائض جيدة وكبيرة خلال العقد الماضي، وعدنا اليوم لمرحلة العجز، وهي دورة اقتصادية يعلم الله وحده كم ستأخذ، إلا أن الإيجابي أننا ندخل مرحلة العجز الجديدة ونحن أقوى على مواجهته، فالبنية التحتية تم استكمالها، وهو عامل إيجابي كبير لتقليص الاعتماد على عوائد النفط، والعمل على تقوية القطاعات الخاصة وزيادة إسهامها في الناتج والتوظيف وتحسين تنافسيتها وكفاءتها، فلم يعد من المقبول ولا المعقول الاعتماد على القطاع الحكومي توظيفاً وإنتاجاً ودعماً وحجماً، والشرط الوحيد لتحقيق ذلك هو وجود الرؤية والإرادة وخطة العمل واضحة الأهداف وسهلة التطبيق، وساعتها سيتحقق لنا كل ما نريد، وسلامتكم.