د. شملان يوسف العيسى- الوسط- برزت الحاجة إلى تشريع قوانين خاصة بالوحدة الوطنية في دول الخليج العربية بعد تفجر الأوضاع الطائفية في بعض الدول الخليجية ودول الجوار العربي... لذلك لجأت الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى تشريع قوانين تمنع التعرض للوحدة الوطنية وتدين كل فرد أو جماعة أو حزب يحرض على الطائفية أو يدعو إلى تمزيق النسيج الاجتماعي بإثارة الفتنة.
السؤال هل يمكن القضاء على الطائفية أو الولاءات الجانبية مثل القبلية والمناطقية والقومية من خلال التشريع؟ بمعنى آخر هل يمكن فرض قوانين تلزم المواطنين بعدم التعرض للآخر أو تشويه المذاهب والأديان والمعتقدات الأخرى...؟
تجربتنا المتواضعة في الكويت وبعد مرور أكثر من عام على تطبيق القانون لا تشير إلى نجاح التجربة، ويعود السبب إلى عدم فهم المقصود بالوحدة الوطنية، وكيف يمكن الالتزام بها، خصوصًا أن الدعوة للوحدة الوطنية تختلف تمامًا عن مفهوم المواطنة التي نعرفها وندرسها لطلابنا في علم السياسة، فحقوق المواطنة مفهوم غربي حديث ارتبط بالدولة الوطنية وحقوق الفرد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وكلها متعلقة بعملية تطوير الديمقراطية وترسيخها.
نحن في الخليج نتحدث عن الوحدة الوطنية من دون أن نربطها بحقوق المواطن... ويعني ذلك حقوق المواطن الاجتماعية والاقتصادية وغيرها وحق المشاركة والمساواة بين الجميع دون تمييز تحت القانون.. نحن في الخليج اهتممنا بالشكليات دون الدخول في الجوهر... فما نراه عمليًا وفعليًا في الخليج هو تغليب الشعارات والممارسات الإسلامية على العمل الوطني...
المشكلة لا تتعلق بالدين بل بالفهم الخاطئ له الذي يروج له السياسيون ورجال الدين لمذهب معين ضد مذهب آخر لاعتبارات سياسية وليست دينية... نحن حتى الآن كدولة ومجتمع لا نؤمن بالتعددية الدينية أو الفكرية ولا نتسامح مع الآخر الذي لا يختلف عنا إلا شكليًا.
مفهوم دول الخليج للوحدة الوطنية تبلور من خلال إشراك أبناء القبائل والطوائف في التشكيلات الحكومية المختلفة، وهي بلا شك خطوة سياسية إيجابية مطلوبة، لكن يبقى السؤال: هل هذه الخطوة تؤدي إلى تجسيد فعلي وعملي للوحدة الوطنية أم هي مجرد محاولة شكلية لجمع الصف في المجتمع بإشراك أبناء القبائل والطوائف في الحكومة.... دول الخليج العربية رغم استمرار السلطة السياسية فيها لمدة طويلة لم تحاول هذه الأنظمة إنشاء أو خلق حركات أو تجمعات أو أحزاب تقليدية تعزز الولاء الوطني... بل اكتفت هذه الأنظمة بالتركيز على الولاء العائلي والقبلي مما ترك فراغًا ملحوظًا في الشارع الخليجي استغلته جماعات الإسلام السياسي التي بادرت بإنشاء جمعيات ومنظمات خيرية أو دعوية استقطبت الشباب العربي في الخليج لتنظيماتها الحزبية سواء أكانت إخوان مسلمين أم حركات راديكالية أم أحزابا وتنظيمات شعبية مثل حزب الله وحزب الدعوة الإسلامي. لقد كان المفكر العربي محمد عبد المطلب الهوني محقًا عندما قال: «من أهم معوقات الديمقراطية في الوطن العربي سوء فهم المعتقد، فالدين في حد ذاته ليس عائقًا من عوائق التحضر ولكنه يصبح أكبر عائق عندما يستخدم استخدامًا آيديولوجيًا سياسيا من قبل فاعلين اجتماعيين».
وبسبب عدم توضيح المفاهيم وشرحها ثارت ضجة في المجتمع الكويتي قبل شهر عندما كتب الكاتب عبد الله الهدلق مقالاً تحت عنوان «ماذا لو احتلتنا بلاد فارس إيران» في إحدى الصحف الكويتية اتهم فيها كل الكويتيين ذوي الأصول الفارسية بعدم الولاء... مما أثار زوبعة من الاحتجاج خصوصًا بين أعضاء جمعية الإخاء الوطني، وهي جمعية نفع عام جديدة تدعو إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتضم كل شرائح المجتمع لا سيما المثقفين والأكاديميين ورجال الأعمال الناشطين سياسيا المهتمين بتعزيز الوحدة الوطنية، وكاتب المقال من المؤسسين لهذه الجمعية.
ما يهمنا هنا أن بعض الشباب في الجمعية اتهموا كاتب المقال بالطائفية والفكر الملوث وإثارة النزعة الطائفية والتشكيك في الولاء بينما يرى آخرون في الجمعية بأن ما طرحه الكاتب مجرد وجهة نظر ورأي خاص به يجب ألا يثير أحدًا... ما دمنا نعيش في مجتمع يحترم الرأي والرأي الآخر.
الطريف أو الإشكالية في الكويت هي أننا نعيش في مجتمع تعددي؛ فلدينا نواب من الشيعة يطرحون أفكارًا تدغدغ مشاعر الشيعة لكسب أصواتهم.... وكذلك لدينا نواب سلفيون أو إخوان يطرحون أفكارًا تدعو السنة للوقوف معهم فيما يطرحونه من أفكار في البرلمان أو خارجه تروج لأفكارهم الحزبية... الحكومة والحمد لله التزمت الصمت والحياد ومن لديه اعتراض أو وجهة نظر ضد أي فرد أو جماعة يرفع الأمر للسلطة القضائية لنيل حقوقه، وأخيرًا نرى بأن النقيض الطبيعي للطائفية والقبلية هو الولاء الوطني، فهذا الولاء هو نقيض للطائفية فعندما يسود النظام الطائفي في أي بلد يغيب الوطن وعندما يفرض الوطن نفسه تغيب الطائفية.