أ. د. عبداللطيف بن نخي- الرأي- عظَّم الله لكم الأجر باستشهاد 13 مصلياً في مسجد قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية. حلقة إرهابية جديدة في مسلسل التفجيرات، والتي يحتمل ألا تكون الأخيرة. عملية إجرامية أخرى أسالت دماء المصلين في مسجد وثكّلت أمهاتهم وفجعت أباءهم ورمّلت زوجاتهم ويتّمت أطفالهم، وحسّرت أقاربهم وأحزنت معارفهم. إلى متى نتعامل بسلبية مع جرائم «داعش» وما في حكمها من تنظيمات إرهابية؟.
على الرغم من تكرار جرائم الإرهاب في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أننا لم نتوافق حتى الآن على التصدي العلمي للفكر المتطرف ومنابعه. فمعظمنا ينشغل، بقصد أو من غير قصد، في توظيف التفجيرات التكفيرية لصالح محاور في الصراع الإعلامي الإقليمي. فنجد بيننا من يحرص على الاستدلال بشواهد، موضوعية أو خيالية، لإثبات قناعاته الراسخة بشأن علاقة دول إقليمية وعالمية بتنظيمات القتل على الهوية الدينية او الوظيفية أو خلافهما. لذلك تجدهم يتفحصون صور ومقاطع فيديو خاصة بالحوادث الإرهابية لاستخراج ما يعزز الخطاب الإعلامي الإقليمي الذي تسلل إلى قلبه وعقله. أليس من الأولى أن توحدنا هذه التفجيرات بدلاً من أن تسقطنا في خنادق الصراع الاقليمي؟
الدراسات أثبتت العلاقة السببية بين الإرهاب الذي يستهدفنا وبين ثقافاتنا المجتمعية، التي ساهمت بتشكيلها مناهج مدارسنا وخطب مساجدنا ومقالات صحفنا. لذلك فإن تنقيح منابع ثقافة شعوبنا ضرورة عاجلة. ولكننا عاجزون عن ذلك، لأن البعض ربط التنقيح بتقييم مفاهيم عقائدية ما أضفى على هذه المنابع قدسية وحصانة مطلقة.
في الكويت، على سبيل المثال، تجد أن النواب ينشغلون بالمخالفات المالية والإدارية في المؤسسات التعليمية ويتهربون عن توفير الغطاء السياسي للوزير كلما صرح عن نية وزارته بتنقيح وتطوير المناهج التعليمية، ما يدفع الوزير لإعادة صياغة موقفه من المناهج، فيعلن نفس النواب استنكارهم واستياءهم من تموج سياسة الوزارة ولكن في جلسات مغلقة وضمن حضور متجانس مذهبياً تماشياً مع تلك الحصانة.
البعض، من المؤيدين ومن المعارضين، يتعاطى مع مطالبات تنقيح المناهج بطائفية مفرطة. الرؤية التربوية للمشكلة تظهر فساداً في مؤسساتنا التعليمية في محورين رئيسيين أولهما اعتماد التعليم التلقيني عوضاً عن المهارات التحليلية الاساسية والتفكير النقدي. والثاني غرس ثقافة السلطة الهرمية الرافضة للنقد والمساءلة الراجعة بدلاً من التدريب على الثوابت المدنية كالحوكمة الرشيدة ومبادئ المواطنة الصالحة وقيم التضامن الاجتماعي واحترام الرأي الآخر. لذا فإن الضرورة الوطنية الإسلامية الإنسانية تتطلب منع كل ما يساهم في إشعال الفتن في مجتمعاتنا «من دون تقييم شرعي للمطلوب حظره». والضرورة ذاتها تلزمنا استعجال تطوير مناهجنا بما يحصّن شعوبنا من احتضان التطرف.
في العام 2004، شارك الدكتور عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، مدير عام مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية السعودية الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بورقة علمية في المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب الذي عقد في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية. وأوضح الدكتور بأن تشكيل الفكر المتطرف لدى الأفراد ينطلق من ثلاث مراحل أساسية هي نتاج لخلل في وسائط التنشئة الاجتماعية. وأوضح بأن أصحاب الافكار المتطرفة يشتركون في الآتي:
1- لديهم رغبة جامحة في إقصاء الآخر، فهم الوحيدون القادرون حسب رؤيتهم على فهم الحقائق والأمور.
2- لديهم أحادية في النظر، فالحقائق لديهم ليس لها إلا وجه واحد وطريق الحياة ليس له إلا مسار واحد في رؤيتهم.
3- يحملون توجهات عقدية وفكرية تؤكد ما لديهم من قناعات ولا يرغبون في التنازل عنها، كما أنهم غير مستعدين للتخلي عنها أو مناقشة الآخرين فيها.
كتربوي، ذي خبرة تزيد على عشرين عاماً وضليعاً في شؤون المناهج والاعتماد الأكاديمي، أجزم بأن مناهجنا ساهمت في ترسيخ السلبيات الثلاث المشتركة بين المتطرفين. لذلك أناشد الجميع التعاضد من أجل تطوير مناهجنا، بل كل منابع ثقافتنا المجتمعية، لتعالج ما نعانيه كمجتمع من أعراض التطرف ولتقوي مناعتنا ضد وباءات تطرف مستقبلية.
المسؤولية كبيرة ولا تستطيع حكوماتنا حملها من دون دعم برلماني وشعبي. لذلك أرحب ببرنامج التسامح لتدريب الناشئة والشباب على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان الذي أطلقه نادي التسامح الصيفي، التابع لمنظمة الخط الإنساني، يوم السبت الماضي بحديقة الشهيد. وأحيي القائمين عليه لما يحتويه من مواضيع مختلفة متعلقة بحقوق الإنسان كالمساواة والتسامح وعدم التمييز، بالإضافة الى نشر ثقافة تقبل الرأي الآخر والمسؤولية الاجتماعية. فالبرنامج نموذج ناجح للدور المنشود من هيئات المجتمع المدني في مواجهة آفة التطرف الدخيلة على مجتمعنا الفسيفسائي.