د. خالد أحمد الصالح- الرأي- من جديد يُعاد طرح الخلاف القديم المتجدد بين مكونات الثقافة العربية، وما زال السؤال سبب الخلاف مُعلقا، هل الثقافة حكر على أرض جغرافية؟، وهل هي مقصورة على حقبة تاريخية؟، وهل هي ملك لجماعة دون أخرى؟
تلك التساؤلات الثلاثة جوابها واحد وهو النفي، لن تجد في كل ثقافات العالم ولا مثقفيها من يختار إجابة مختلفة.
ومع عقلانية الإجابة إلا أننا في عالمنا العربي لم نتفق حتى الآن على الإجابة، لقد تداخلت السياسة مع مشاعر الاحتقار والحسد والمصالح لدينا، تداخلت لتجعل الإجابة السهلة معقدة ويكون السؤال ذو الإجابة الواضحة سبباً في الصراع الذي يدور بين المثقفين في عالمنا العربي.
إننا نتفاجأ حين نقرأ لمثقفين عقلاء يستخدمون التحليل العقلي والربط المنطقي لحل أكبر المعضلات السياسية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، نتفاجأ في أن نفس هؤلاء العقلاء تتعطل عندهم الموجات العقلية، ويصابون بالسكتة الدماغية حين يشعرون بتحرك قواعد الثقافة العربية بعيدة عنهم وانتقالها إلى أماكن أخرى وفق تطور الزمن، هؤلاء العقلاء، أو من كنا نظنهم كذلك، نكتشف أنهم يريدون احتكار الثقافة والتطور والحضارة داخل بلدانهم، وحصر المثقفين بجميع أطيافهم بمثقفيهم الذين أصبحوا تاريخاً منذ نحو نصف قرن، ولم يتمكنوا من استبدالهم بسبب ضعف عناصر الثقافة لديهم وانتقال تلك العناصر إلى محيطات أخرى.
ولعل الكاتب المصري فهمي هويدي أحد الأمثلة التي ينطبق عليها بوضوح ما ذكرناه سابقاً، فقد نال الكاتب شهرته العربية بانضمامه إلى أسرة مجلة العربي الكويتية، وهو بعد لم يتم الأربعين من عمره المديد، ومع أنه لامس التغيرات الثقافية التي تتحرك في الأجواء العربية إلا أنه، رغم ما عرف عنه من عقلانية، لم يتمكن من التخلص من عصبية المكان وعنصرية الجنس حين كتب في مقال له منذ فترة قريبة قائلا:"في الفراغ المخيم ما عاد للعالم العربي، الذي دخل مرحلة الأفول الكبير، له وزن أو قول، الأمر الذي أغرى بعض الصغار بأن يتطاولوا في البنيان ويحاولوا صنع المقادير، إلا أننا اقتنعنا في وقت متأخر أن الصغار لا يصنعون رقماً، وأن الأقزام مهما بلغ عددهم لا يصنعون عملاقاً...متى تستعيد مصر عافيتها لكي تسترد موقعها الشاغر وتثبت حضورها؟ وهو سؤال محير لأن هذا الأمل يبدو بعيداً ومعدوماً لأن أفقه يبدو مسدوداً"، انتهى قول الصحافي هويدي، وفيه يبدو واضحاً السكتة الدماغية التي عطلت لديه الروابط المنطقية والتفكير السليم فجعل الثقافة العربية تحتضر لمجرد أن ثقافة بلاده، كما يراها هو، تحتضر، ولم يكتف بذلك بل همز ولمز دول الخليج واعتبرهم صغاراً لا يصنعون رقماً متناسياً أن هؤلاء هم أحفاد من حملوا لهم ولغيرهم رسالة السماء واللغة التي يكتب بها.
وقد قام الكاتب السعودي الدكتور خالد الدخيل أستاذ الاجتماع السياسي بالرد على الشطحة الكامنة في نفس الصحافي الشهير وربما أعاد الرد له بعض صوابه، لكن الصحافي هويدي ليس هو الُمشكلة، هو فقط جزء منها، هناك عشرات من الأيادي التي تحاول إيقاف عجلة الزمن وطَوْي صفحة التاريخ، وبالطبع جميعهم سيفشلون فالعالم بعد ما زال متحركاً ولم تتوقف الساعة عن الدوران بعد.