هاني الفردان- الوسط- تقشف رسمي علني. سياسات واضحة لرفع الدعم الرسمي للسلع الضرورية كاللحوم والوقود والكهرباء وغيرها. موازنة عامة وصفها بعض النواب بـ«المفصّخة». دين عام سيتجاوز 9 مليارات دينار مع نهاية العام 2016. قروض حكومية مستمرة. إنها مؤشرات واضحة للسنوات العجاف التي نحن مقبلون عليها.
آخر التوجهات الرسمية في ميدان التقشف العام هو التعميم الأخير الذي كشف عنه بعدما وُزّع في عدد من الوزارات، ويتضمن قراراً بإيقاف صرف علاوة الوقت الإضافي للموظفين، بدءاً من أغسطس/ آب الجاري.
وبحسب نص التعميم، فإن القرار يصدر في إطار «قرار مجلس الوزراء رقم 01 - 2320 بتاريخ 13 يوليو/ تموز 2015 بشأن اتخاذ الإجراءات المناسبة لترشيد وضبط الإنفاق في كافة أشكال المصروفات للحد من غير الضروري منها، وإلى تعميم وزير المالية رقم 7 لسنة 2015 المؤرخ في 14 يوليو 2015 بشأن الاعتمادات واللوائح والتعليمات الخاصة بتنفيذ الميزانية للسنتين الماليتين 2015 و2016».
وجاء في التعميم: «وعليه نفيدكم علماً بوقف صرف ساعات العمل الإضافي اعتباراً من رواتب شهر أغسطس 2015، والاقتصار في الحالات الضرورية على تعويض المستحقين أوقات راحة مساوية لساعات العمل الإضافي أو إضافتها إلى رصيد إجازاتهم السنوية فقط».
الاعتراف الرسمي، وإن كان متأخراً بشأن تداعيات انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف، كان واضحاً فقط من أجل تمرير الموازنة العامة وإقناع السلطة التشريعية بالخطر المالي المقبلين عليها، مع ضرورة اتباع سياسات تقشفية صارمة للحد من تفاقم تلك الأزمة التي لا يبدو أنها تسير نحو الانفراج، بل هي متجهةٌ نحو التعقيد أكثر، وتحميل المواطن البسيط أعباء السياسات المالية الخاطئة طوال السنوات الماضية.
ما هو ثابت ومؤكد، لدى جميع الاقتصاديين والخبراء العالميين ووكالات التصنيف العالمية (عدا طبعاً البعض عندنا)، أن البحرين ستواجه تحديات صعبة إذا ما هبط متوسط سعر النفط عن 50 دولاراً للبرميل، وبالتحديد عند 45 دولاراً، إذ أن الإيرادات عند هذا السعر لن تكون كافيةً لتغطية بند رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي، وقد تشهد أزمة عدم القدرة على تسديد الرواتب لموظفي الحكومة، فلذلك صدر تعميم وقف صرف علاوة العمل الإضافي كإجراء متوقع لتقليص النفقات والحد منها قدر الإمكان.
وزير المالية تحدّث في 10 مارس/ آذار 2015 (ربما لأول مرة) عن تأثيرات انخفاض أسعار النفط، مؤكّداً أن «الإنفاق على أساس 60 دولاراً يعني أن كثيراً من المشاريع ستتوقف، وستغطي الحكومة الرواتب مع زيادة قليلة (...)». وحتى مع نهاية الأسبوع الماضي، بلغ سعر برميل النفط البحريني الصادر من حقل أبوسعفة في الأسواق العالمية 49.1 دولاراً، مواصلاً بذلك سلسلة التراجع.
البحرين تحتاج إلى سعر 140 دولاراً للبرميل، لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات في الموازنة العامة، في ظلّ ما تعانيه من تسارع وتيرة ارتفاع الدين العام ليصل إلى 6 مليارات دولار في العام 2015، حسب توقعات «ستاندرد أند بورز».
المؤكد والثابت، وما لا تتحدث عنه الحكومة وتلتزم الصمت بشأنه، هو أن هبوط السعر إلى ما دون 50 دولاراً يُحدث فجوةً هائلةً، وعجزاً كبيراً في الموازنة، خصوصاً أن الموازنة العامة تعتمد بنسبة 90 في المئة على الإيرادات النفطية. وما لم يتحدث عنه أي مسئول حكومي، هي النتائج الخطيرة التي ستشهدها البحرين نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط.
الدين العام هو الآخر تضاعف مرات عدة منذ العام 2008، إذ بلغ يومها نحو 705 ملايين دينار، وارتفع إلى 1.34 مليار دينار في 2009، و2.44 مليار دينار في 2010، ونحو 3.16 مليارات دينار في 2011، ونحو 3.86 مليارات دينار في 2012، ونحو 5.1 مليارات دينار بنهاية العام 2013، ثم عاد لينخفض بنهاية يوليو/ تموز 2014 إلى 4.8 مليارات دينار، ثم عاد ليرتفع في سبتمبر/ أيلول 2014 إلى 5.35 مليارات دينار، ووصل إلى 5.7 مليارات دينار خلال النصف الأول من العام 2015. ومع تطبيق الموازنة الجديدة واقتراض الحكومة لتغطية العجز فإن الدين العام سيرتفع إلى 9 مليارات دينار.
رغم كل الحديث عن عدم المساس بالمكتسبات التي حصل عليها المواطن، خلال السنوات العشر المقبلة، إلا أن الواقع يؤكّد أننا مقبلون على سنوات عجاف، سيكون فيها الجفاف سمةً رئيسيةً أساسها التقشّف في كل شيء له علاقة بالمواطنين، وفي ظل تصفيق «المشرّعين» ومباركتهم.
ومع ذلك يتفاخر نواب بتحقيقهم إنجازات «وهمية» بتخفيضهم 28 مليون دينار من عجز الموازنة فيما سيصل الدين العام إلى 9 مليارات دينار في 2016، مع إسقاط حقوق المواطن في دعم السلع وإصرارهم على زيادة موازنة الأمن التي تستنزف الكثير من خيرات البلاد على حساب مكتسبات الشعب.