سوسن دهنيم- الوسط- الذين يرتادون الحدائق العامة القليلة في هذا البلد، والذين يرتادون السواحل التي أقيمت عليها متنزهات صغيرة، لن يجدوا في هذا الكلام تطاولاً أو تجنياً على أحد. فما يحدث هناك من عدم الإحساس بالمسئولية، وتحويل بعض المسطحات الخضراء أو حتى تلك السواحل إلى مكب للنفايات، يكشف عن تلك المشكلة وتفاقمها. تتحول المسطحات الخضراء القليلة إلى ما يشبه النمش بفعل أوراق المحارم والعلب الفارغة، وبقايا الأطعمة أيضاً.
الذين خططوا تلك المتنزهات، ورتبوا تلك السواحل لم يغفلوا عن وضع صناديق للقمامة وفي أمكنة متقاربة، لكن بعض من جاؤوا للاستجمام، وإن فصلت بينهم وبين تلك الصناديق بضعة أمتار أو أقدام، إلا أنهم يصرون على ترك بقايا لهوهم في مكانه، وفي اعتقاد عجيب غريب: «تحليل معاش عمّال النظافة»! نعم هناك من وصل إلى هذه القناعة.
تتكرر هذه الممارسة في أكثر من مكان. سيلقي البعض اللائمة على الأطفال، من دون أن يسأل وأين كان ذووهم عنهم؟ الطفل سيرى في والديه النموذج والقدوة، وإذا رأى ممارسة أو سلوكاً من ذلك القبيل، فسيصادق عليه في مخيلته وسلوكه، وسيجد مثل تلك الممارسة دوراً حضارياً جسّده الأب والأم ومن ثم على الأبناء أن يحذوا حذوهما.
في الصباح الباكر ستجد عمّال النظافة منكبين على تنظيف ما تركه بعض اللاهين بالحياة، وليتهم يكتفون باللهو بالحياة من غير أن يمسّوا واحدة من القيم فيها: النظافة. عمّال النظافة أنفسهم الذين ينظر إليهم كثيرون نظرة دونية ولا تخلو من احتقار. تلك حقيقة يجب أن نعترف بها ولسبب بسيط: لسنا شعباً من الملائكة، وكوننا لسنا كذلك فلا يبرر لنا ذلك أن لا نضع اعتباراً للأمور البسيطة التي تنظم شئون حياتنا بشكل لائق ولا تحتاج إلى ملَكات خارقة للقيام بها.
لو رجعنا إلى شكاوى البلديات في المناطق ومن بعض الجيران ضد بعضهم بعضاً، سنجد جزءاً كبيراً منها يتعلق بالقمامة التي تترك قريباً من بيوت بعضهم، وتصل إلى حد الشقاق والمقاطعة والتربص ببعضهم بعضاً. تلك قصص تمتلئ منها ملفات أقسام الشكاوى في بلديات المناطق، إضافة إلى مشكلات أخرى.
الكل يحرص على أن يكون محيط منزله نظيفاً. وطبعاً لن تجد مخلوقاً عاقلاً سيسمح لكل من هب ودب أن يلقي بقمامته في غرفة نومه مثلاً، أو في الصالة، أو المجلس، إذا كان يرفض أساساً لأي كان أن يرمي بقمامته قرب حائط بيته.
هم الأشخاص أنفسهم - أو بعضهم - ممن يجدون في الممتلكات العامة كالحدائق، حقاً له كي يلقي بقمامته، وما اختتم به لهوه أو استجمامه على الأرض، لأن عامل نظافة فقيراً، بالكاد راتبه يسد رمقه سيقوم بالمهمة صباح اليوم التالي.
جزء كبير من إنسانية الإنسان تبدأ بإحساسه بالمسئولية، ومن أهم المسئوليات تلك أن لا يترك الفضاء والمجال الذي يتحرك فيه مشاعاً يعبث فيه ويلوثه ويحوله إلى مكب للنفايات، لأن تلك الممارسة تقدمك إلى العالم بعيداً عن صورة التحضر والمدنية والعراقة التي من المفترض أن تكون متأصلة فيك. شعب حضارته تمتد إلى أكثر من 5000 سنة، قطاع ليس بسيطاً فيه لن ترى منه إلا ممارسات التخلف.
تلك هي المتنزهات والسواحل، ولن نتكلم عن ممارسات تحدث في الشوارع العامة. وبات مألوفاً أن ترى علبة شراب غازي طارت في الهواء وكادت أن تصدم سيارتك، لأن أحدهم وجد أنه من غير اللائق تركها في سيارته، وعلى الناس... الشارع... البيئة تحمل ذلك. وكل وقت والبيئة تشكو البعض إلى الله.