د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد- الامارات اليوم- لم يتحدث التاريخ من بعد مقتل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في محرابه، وسيدنا علي رضي الله تعالى عنه في طريقه إليه؛ لم يتحدث عن خوف يراود المصلين في بيوت الله الآمنة، مهما كان وضعهم ووضع عدوهم، كما يتحدث عنه اليوم؛ لأنهم قد آووا إلى الله، واحتموا بحماه؛ فالمساجد هي بيوت الله تعالى، وقد قال سبحانه في بيت الله الحرام: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، وأخبر أن المساجد له سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، فمن يعتدي عليها فهو معتد على بيت الله، فيكون خصمه الله، ومن كان خصمه الله خَصمه.
لكن اليوم أصبحت بيوت الله الآمنة محل خوف وابتلاء، وإن كان كثير من الناس لا يبالي بهذا الخوف إن كانت خاتمته ستكون وهو راكع أو ساجد أو معتكف، فإن ذلك من خاتمة السعادة.
غير أن الحقيقة التي ينبغي أن تُعلم أن المعتدين على بيوت الله تعالى ليس عندهم وازع من إيمان أو مِسكة من ضمير حتى يخافوا من سوء المصير، فهم يتمادون في الظلم والضلال، والواقع أن الله يستدرجهم ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فإنهم يكونون أول الضحايا، إلا أنهم يختلفون عن الضحايا الأبرياء من حيث المصير والذكر بين البشر، فمصيرهم إلى النار وبئس القرار، لاستحلالهم أعظم الحرمات، وهي الأنفس البريئة: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وبصدهم عن بيوت الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وإذا كان «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن»، كما أخبر الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن يقتل الركع السجود في بيوت الله تعالى، وهو يفعل ذلك مستحلاً؟! وليس هو كمن يقتل خصومة أو دفاعاً، بل هؤلاء يفعلونه اعتقاداً بأنهم يتقربون إلى الله، ولذلك تراهم يكبرون، فهؤلاء إذاً قد مرقوا من الدين كما يمرق السهم الرمية، فلماذا إذاً يُنسبون إلى الإسلام، وذلك هو منهج الإسلام فيمن يستحل محرماً معلوماً من الدين بالضرورة، فلو أن الناس وضعوا الأمور في نصابها وسموا الأشياء بأسمائها لما احتجنا للدفاع عن الإسلام، ولكان الأمر واضحاً لذي عينين.