عبدالله علي الخطيب- المدينة- الإرهاب وخطاب (لا) و (لن)! الإرهاب المنظم حاضر في مجتمعنا بكل تفاصيله ومكوناته، من الألف الى الياء. ولا زال المسئولون في المملكة، خصوصاً الجهات الأمنية، يبعثون برسائلهم، المباشرة وغير المباشرة، مؤكدين أن خطراً جسيماً يحدق بنا أكبر وأدق تنظيماً وخطورة من التنظيمات السابقة التي تصدت لها، ونجحت في تحجيمها إلى حد كبير.
العاقل منا يقّدر ويعي تماماً ان الارهاب والفكر الإرهابي ينخر في مجتمعنا وأن مجتمعنا يواجه اليوم فئة ليس لبشاعتها وتطرفها حدود.. فئة تجردت من إنسانيتها وخالفت القيم الإسلامية والكونية التي تحرِّم المساس بالنفس البشرية من دون حق.. فئة هاجسها الأكبر هو تطوير وتنويع أساليب القتل والترويع والدمار الفكري والجسدي.
وفي كل مرة تغدر وتعتدي علينا هذه الفئة بالقتل والتفجير والترويع، نلاحظ أن معظم الخطب والآراء تدور في فلك الانفعالات «اللحظية»، فبالرغم من أهمية الشجب وإعلان الصمود واللحمة الوطنية، إلا أن من يحاول أن يقرأ المشهد في مجتمعنا، وخصوصاً فيما يتعلق بما يمكن أن نفعله في مواجهة ظاهرة الارهاب، يرى أن ثمة قلقاً مجتمعياً عميقاً من أن هذا النوع من المواجهة لا يكفي على الإطلاق، ولا يسير بهذه المواجهة الى أساس الأذى والخطر الذي يحدق بنا.
يؤدي الاستخدام المكثف لـ (لا) و (لن)، اللتان تفيدان نفي المستقبل كما يقول أهل اللغة، إلى جعل الخطاب وردود الأفعال «عابرة» تأخذ مسار المواجهة في اتجاه النفي لمدة طويلة، وبالتالي الاستمرار في اتخاذ تدابير واجراءات تستهلك الوقت في مسار نفي الحالة، وتعيق العمل نحو مسار الإثبات الذي تأتي أهميته أكبر بكثير من خطاب النفي. إننا بحاجة ماسة الى أن نوجه الفهم والبحث والتقصي الى خطاب الإثبات ومحاولة الوصول الى أن الذي يحرضون هم.. وأن الذين يقفون وراء المنفذين هم.. وأن الفكر الذي يعتنقونه ويستمدون منه تصاريح القتل وسفك الدماء هو.. وأن سمات وخطاب فئة المتعاطفين هي.. وأنهم موجودون في هذا المكان.. وانهم يستخدمون لبث سمومهم هذه الوسائل ...
تجاوز النفي والانزياح الى الإثبات يشكل أقصر الطرق الى تسمية الأشياء بمسمياتها والى الوصول الى الحقيقة، وكذلك الى لجم خطاب المهادنة، وبالتالي فضح المضلين والمتواطئين مع هذه الأفكار...
النفي «لن» يضعنا على طريق الحقيقة «الحاضرة» و»المفقودة» في نفس الوقت، وإنما العمل الشفاف القائم على تبني رؤية واضحة تستنفر الوطن بكل مكوناته ومؤسساته لإنقاذ الدين والوطن والإنسانية من هذا البلاء العظيم.
وفي كلمة واحدة، يبدو أن النزعة الى النفي سلوك قديم مصاحب لخطاباتنا، خصوصاً، خطابنا الموجه للخارج والذي لا نعلم ما مدى المكاسب التي نكون قد حققناها من لو أن- على سبيل المثال- خطابنا الموجه للخارج كان : المملكة هي، ومحاولاتها هي، عوضاً عن المملكة ليست، ونحن لسنا...