تواصل » صحف ومجلات

الفساد حينما نعتاد عليه

في 2015/08/25

محمد بن علي البلوشي – الشبيبة- هل يخطر في ذهن أحدكم أن يسجن أحد من «علية القوم» سجنا حقيقيا على جرم اقترفه؟.. كثير منكم سيقول لا، فالصورة الذهنية أن لعلية القوم وأبنائهم حديقة لا يمكن المساس بها وتفصل القوانين لهم على مقياسهم فالفقراء لهم قوانين والأغنياء لهم قوانين. وبالرغم من أن هذا الكلام في مجمله غير صحيــح وربمــا صحيح بهــامــش من الصواب، تعالوا أدلكم على ما حدث..

تعرفون الشيخ هاشمي رفسنجاني الزعيم الإيراني السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران وهو احد رفاق الإمام الخميني رحمه الله في الثورة.. الشيخ رفسنجاني من ابناء الصف الأول للثورة حارب نظام الشاه «لبطشه وفساده وتوفرت أسباب أخرى لانهيار عرش الطاووس».. هل يمكن أن نتوقع أن يسجن أحد أبناء هــذا الرفيق الاسلامي.. نعم، هذا ما حدث، حيث حكمت محكمة طهران بالسجن على ابنه 10 سنوات بتهمة الفساد واقتيد ابنه مهــدي الى سجــن إيفين سيئ الســـمعة سابقا ليقضي العقوبة.

وسجن إيفين هو السجن الذي كان السافاك يزج فيه بالمعارضين أو الفوضويين في حكم الشاه. وفي عهد الثورة كذلك سجن الكثير من رموز حكم الشاه وأعدم الكثيرون.. والآن يشرّف ابن رفسنجاني السجن ليقضي العقوبة. في أي زنزانة لا نعلم. هل سيخصص له جناح لذر الرماد على العيون؟ لا نعلم كذلك.. لكن الذي يتضح ان رفسنجاني لم يطلب شفاعة مرشد الثورة الحالي للتوسط لدى القضاة أو مدعي عام طهران لتخفيف الحكم أو حفظ القضية.. ويعرف الشيخ رفسنجاني مكانته ووضعه لكنه لم يحرك ساكنا وربما لا يستطيع.. حتى الرئيس روحاني لن يتجاوز ذلك..

الآن تستورد مخيلتكم الكثير من الصور وسوف تعلقون وتندهشون وتعقدون مقارنات.. لكن لا بأس أن تنتبهوا للظروف بين الحالة في إيران والحالة لدينا في منطقة الخليج.

احتجت لهذا الخبر لنذكر المسؤولين بذلك ونلقي على مسامعهم هذه الجملة «انظروا إلى ابن رفسنجاني تم قصـــفه بعشر سنوات وسيذهب الى سجن إيفين الرهيب».. لكن مرارا نقول لكم «انتبهوا واعملوا بإخلاص أكثر وقفوا على المشاريع التي تســندونها للشركات وغيرهـــا وتابعوها ولا تنظروا فقط للتقارير منها».

وهنا سأسوق مثالا عن فساد ناعم وهادئ لكنه «مقرف»، فالكثير من المشاريع كبيرة وصـــغيرة يتم إسنادها على سبيل المثال في القرى والبلدات الصــــغيرة كالكهــــرباء والمياه، لكن الناس ترى ما يحدث واحيــانا تتضرر كالضرر الذي يلحق بالطرق التي شيدت بآلاف الريالات ليتم تكسيرها وترقيعها مرة أخرى. لا أحد يرى في ذلك ضـــررا فلا أحد يدفع من جيبه بل كله من رشاش النفط، فيتذمر الناس من ذلك ويرون طــريقة إعادة الطرق بعد تنفيذ هـــذه المشاريع كيف أصبحت وصارت، وفوق ذلك الفوضى التي تخلقها هذه الشركات التي تقوم بتلك المشـــاريع من الاتربة والغبار والحفر الكبيرة والتلكؤ في التنفيذ، ما يسبب تعطيلا للناس دون إيجاد بدائل مناسبة.

هنا لا نريد أن نسأل عن اللوحة التي ينبغي أن توضع في مكان بارز على مدخل القرى التي بها المشاريع ولا عن مدة المشـــروع ولا عن قيمته، فهذا ليس معمولا به في البلد، لكننا نتمنى على أولئك الموظفين أن يحضروا وأن ينظروا الى تســـاؤلات الناس.. لقد أســـندت الجهة المختصة عن المياه مناقصة لتوصيل المياه الى أحد الجيوب السكانية في ولاية ما وتسببت هذه الشركة بمشاكل عدة للأهالي كقطع الطرقات والحفر في منتصفها دون إيجاد مسارات بديلة ودون وضع لوحات تحذيرية لدرجة سقوط ســيارة في إحدى هذه الحفر.. دون أن يجد الأهالي مسؤولا واحدا لينقلوا له ملاحظاتهم..

من هنا يبدأ الإهمال ويتحول إلى عدم الدقة في تنفيذ العمل والتخريب دون إصلاح الأضرار على أكمل وجه ثم يكبر ويتحول الوضع الى أمر طبيعي لا يدعو للاستغراب ثم نصفه بالفساد ونعتاد عليه.. ثم يتحول الناس الى الاتهام بالفساد والتقصير. اتعظوا قليلاً.. تذكروا ابن الشيخ هاشمي رفسنجاني كل صباح في أعمالكم.