سامية عبدالله- شؤون خليجية - ملفات إقليمية ساخنة تدخل مرحلة حرجة وفاصلة بحثًا عن حلول نهائية وجذرية مع تفاقم خطرها على الأمن القومي الخليجي، فدول الخليج تتعرض لتهديدات خطيرة تهدد أمنها بمفهومه الشامل، وتتصاعد التهديدات والتغيرات الإقليمية بوقت بالغ الحساسية، فالدول العربية الكبرى ذات النفوذ الإقليمي تحاصرها قيود وأزمات كبيرة، فالانقلاب قزم من دور مصر الإقليمي كثيرًا، وحرب اليمن تستنزف السعودية، الأمر الذي سمح بمزيد من التمدد للدور القطري بالمنطقة، وصارت الدوحة جسرًا للعلاقات الخليجية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية، وأبرزها إيران وروسيا والولايات المتحدة.
وبحسب مراقبين، فإن الدوحة تتمتع بذكاء في حراكها السياسي، فهي اليوم تتجه للتقارب مع روسيا رغم القطيعة السياسية السابقة، فموسكو الآن تملك مفاتيح اللعبة في الأزمة السورية، وهي الحليف الاستراتيجي لإيران، كما أنها الحليف الجديد للخليج كقوة دولية كبرى، في ظل تجاهل الحليف الأمريكي لأصدقائه بالخليج بعد الاتفاق النووي مع إيران، وهي عضو اللجنة الرباعية لحل القضية الفلسطينية، أحد القضايا المحورية للدوحة.
أيضًا تسعى قطر دومًا لتنويع شركائها الدوليين، حيث نشطت بالفترة الماضية لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة والتقارب مع تركيا، واتجهت أيضًا الدوحة لشركاء جدد في آسيا، حيث فتحت آفاقًا للتعاون مع الهند وباكستان، ما يمنح الدوحة بوقت قصير مكانة إقليمية خاصة تؤهلها للعب دور الوسيط لحل نزاعات كبيرة بمنطقة الشرق الأوسط- رغم صغر حجمها جغرافيا- على رأسها الملف السوري واليمني وملف داعش، والحرب على الإرهاب وملف العلاقات الخليجية - الإيرانية.
وهو ما يطرح تساؤلًا مهمًا: هل يعزز التقارب الروسي القطري التوصل لتسوية سلمية للأزمات المشتعلة بالمنطقة؟ وفي مقدمتها الملف السوري واليمني والحرب على داعش والنووي الإيراني؟
زيارة مرتقبة لأمير قطر إلى روسيا
كشف مصدر روسي في 9 أغسطس الجاري، أن أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني سيقوم بزيارة، هي الأولى منذ توليه السلطة، إلى روسيا سبتمبر المقبل، يلتقي خلالها بالرئيس فلاديمير بوتين. واعتبر مراقبون، أن زيارة الأمير تميم بن حمد لروسيا "مفاجأة"، بسبب عمق الخلافات بين البلدين وتشعبها والتي تمتد لسنوات، خاصة فيما يتعلق بالملفين السوري والمصري، والنفوذ الإيراني في المنطقة، وخلافات أخرى حول تجارة الغاز، بحسب "الأناضول".
سبق الزيارة حراك نشط، حيث جرت عدة زيارات متبادلة بين وزراء خارجية البلدين، كان آخرها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، للدوحة في 2 أغسطس 2015، حيث عقد "لافروف" لقاء مع وزير الخارجية القطري خالد العطية في أجواء إيجابية، وقال العطية: إنه بحث مع من سماهم الأصدقاء في روسيا الأوضاع في سوريا واليمن وفلسطين والعراق، فضلًا عن مناقشة ملف البرنامج النووي الإيراني. وهي ملفات عرفت بأنه يسودها الخلاف بين وجهات نظر البلدين، وخاصة في سوريا.
وتعتبر زيارة أمير قطر هي الأولى له إلى روسيا، وتأتي الزيارة في وقت أحست فيه قيادتا البلدين بضرورة التوصل إلى تفاهمات معينة لترتيب أوضاع المنطقة، خاصة بعد إنهاء أزمة الملف النووي الإيراني من خلال توقيع طهران لاتفاق مع مجموعة 5+1، الشهر الماضي، وحشد الجهود للتصدي لخطر "داعش" الذي بات يهدد دول المنطقة جميعًا.
تقارب رغم الخلافات
ورغم التباين في المواقف القطرية الروسية تجاه العديد من الملفات، أهمها الموقف من النظام السوري لبشار الأسد، ونظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، وثورات الربيع العربي، إلا أن روسيا صارت من أهم اللاعبين الدوليين الأكثر تأثيرًا بالملف النووي الإيراني وسوريا وداعش، وتملك موسكو كدولة نووية تقنيات عسكرية ولوجستية بإمكانها حماية الخليج والمساهمة في الوصول لتوازن الردع.
فروسيا كنظام سياسي تدعم الأنظمة الديكتاتورية بالمنطقة العربية ضد الثورات الشعبية، ودعمت انقلاب السيسي، وبقاء بشار، وتمدهم بالأسلحة، وهي حليف لإيران ذات الأذرع العسكرية، إلا أن ضعف روسيا اقتصاديًا، وخلافاتها مع الولايات المتحدة، وأزماتها الداخلية.. جعلها مهيأة لتغيير مواقفها السياسية، وهذه هي الثغرة والبوابة لبدء علاقات مع دول خليجية، ومنها قطر الدولة الغنية ذات الخطاب السياسي المتوازن والعلاقات الإقليمية الجيدة، كما أنها لم تتعرض لخطر الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة، وعدم وجود عداءات بين قطر وهذه التنظيمات منحها دورًا مميزًا وخاصًا جدًا في مواجهتها.
نظام بشار الأسد
مبادرة روسيا بخصوص الأزمة السورية ستكون على جدول مباحثات الأمير تميم والرئيس بوتين، في الوقت الذي أكد وزيرا خارجية البلدين من الدوحة على الحل السياسي في سوريا. غير أن الموقف المتعلق بمصير «بشار الأسد» سيكون محور الخلاف، حيث تتمسك الدوحة بإزاحة بشار الأسد باعتبار ذلك مطلبًا شعبيًا. أما موسكو فتركز على التهديد الإرهابي الناتج عن نشاطات تنظيم "داعش" في المقام الأول، كما أنها تدعم الحكومة السورية. وقال "لافروف": "نعم، نحن نقدم دعمًا عسكريًا تقنيًا للحكومة السورية في مواجهتها لهذا التهديد"، و"إن بيان جنيف لم ينص على ضرورة تغيير النظام في سوريا".
التسوية السلمية للنزاعات
قبل زيارة "لافروف" للدوحة، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها: إن "قطر واحدة من شركاء روسيا الرئيسيين في منطقة الخليج. ويتواصل الحوار مع قادة قطر بشأن الحل السلمي في سوريا واليمن وليبيا".
ومن المتوقع أن يتصدر مباحثات "تميم" بموسكو نفس ملفات لافروف بزيارته للدوحة، منها قضايا التسوية السلمية في سوريا واليمن وليبيا، مع التركيز على مهمة توحيد جهود المجتمع الدولي لإيجاد حلول مقبولة من الجميع، بالإضافة إلى مسألة التصدي لخطر الإرهاب بشكل منسق وفعال، والذي تمثله تنظيمات مثل "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، ومتوقع مناقشة مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي طرحها في لقائه مع ولي ولي العهد السعودي، وتهدف إلى تشكيل جبهة واسعة ضد الإرهاب.
ملف تعزيز الاستقرار في منطقة الخليج سينضم للمباحثات بين تميم وبوتين، بما يعني التطرق لملف الاتفاق النووي الإيراني والحوار الإيراني الخليجي المرتقب، والمبادرة الروسية لإنشاء منظومة الأمن الجماعي في هذه المنطقة الاستراتيجية، والتي تقوم موسكو بتفعيلها خلال السنوات الأخيرة.
التعاون الاقتصادي
ليست فقط الملفات السياسية، فالملفات الاقتصادية قائمة على أجندة زيارة تميم لموسكو، حيث يوجد بين البلدين عدد من الاتفاقيات التجارية، حيث تجري مباحثات بشأن حزمة كاملة من المشاريع، وبالإضافة إلى ذلك، فإن قطر استثمرت في 2014 في الاقتصاد الروسي أكثر من 2 مليار دولار. فهل ستوظف الدوحة الورقة الاقتصادية للضغط على موسكو بشأن مواقفها السياسية؟
وتعتبر قطر من أهم الدولة المصدرة للغاز في العالم، ويجمعها هذا المجال مع روسيا وإيران، فهل تطوي الزيارة الخلافات الاقتصادية القديمة، فقطر منافس «خطر» لروسيا في أسواق الغاز الأوروبية. وتشير المصادر الروسية أيضًا إلى أن قطر أعلنت في أسواق أوروبا حرب أسعار ضد شركة غاز بروم، التي يعتمد الاقتصاد الروسي على عوائدها من صادرات الغاز.
تحديات إقليمية مشتركة
في هذه الإطار شهدت السياسة القطرية الخارجية حراكًا سياسيًا نشطًا أفرزته طبيعة تحديات المرحلة، وما يعرف بتوزيع الأدوار، فالملفت للنظر أنها تتمتع بسياسة مرنة وغير صدامية، ودأبت على تحسين العلاقات البينية داخل مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة بعهد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث شهدت قطر المزيد من الانفتاح في العلاقات مع الرياض ومؤخرًا مع الإمارات، وكانت قطر تلعب دورًا إيجابيًا في تهيئة الأجواء لتأسيس تحالفات إقليمية جديدة تضم تركيا، وسعت لاستضافة مؤتمر الحوار اليمني الوطني قبل بدء عاصفة الحزم، ما يجعل حراكها الخارجي مع روسيا وإيران من المرجح أن يصب في مصلحة دول الخليج، وبتنسيق مشترك دون تضارب.