فيصل الشيخ- الوطن - مررت في حياتي المهنية بعديد من المحطات، عاصرت عدداً كبيراً من الرؤساء والمرؤوسين، وككاتب تصلني يومياً اتصالات وموضوعات معنية بحالات يمر بها الناس في البحرين، سواء أكانوا يعملون في القطاع العام أو الخاص، فيها من المشكلات ما شاء الله، وفيها من حديث عن «البيروقراطية» ما يجعلك تصل لمرحلة «اليأس» بأن حالنا على صعيد «الإدارة» أو «التنظيم الإداري» أو «بناء المسؤولين» من الاستحالة أن ينصلح. وبناء على ذلك أقول، بأننا مازلنا نعاني من مرض «عضال» مستفحل في مفاصل الدولة وفي كثير من مواقع المسؤولية فيها، هذا المرض عبارة عن أشخاص في مواقع مسؤولية، بعضهم تدرج فيها وبعضهم وثقت به الدولة والحكومة، والمرض عبارة عن تحول هؤلاء لإدارة أملاك تابعة للدولة والحكومة إلى إدارة أملاك تابعة لهم شخصياً.
نعم، أقولها ولست أبالغ، وقلتها بأمثلة لرئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخ الفاضل حسن الجلاهمة، بأن لدينا قطاعات فيها مسؤولون يستوجب أن يدقق عليهم الديوان بشكل صارم، خاصة في مسائل التجاوزات الإدارية و»تطويع» القوانين على مزاجهم، أو محاولة تنفيذ أمور بدون علم ديوان الخدمة المدنية من الناحية الإدارية والقانونية، ويجب رصد كل هذه الأمور، لأننا في نهاية الأمر نتحدث عن «ملك عام» للدولة وليست شركة خاصة لفلان، ولا عزبة لعلان.
أعترف بأن لدي شخصياً «مقت» شديد لأي مسؤول يتصرف في أي قطاع من قطاعات الدولة وكأنه يتصرف في «بيته». يا أخي وضعوك في هذا المنصب لتديره بأمانة وحسن تدبير وعدالة بين الناس، ولم يضعوك في مكانك لـ»تتفرعن» أو تحول لمكان «تنفع» لحاشيتك وأقاربك وأصدقائك، وتحارب وتنتقم ممن يقف لك وينبهك للأخطاء!
للأسف البعض يتصرف وكأنه يملك الوزارة، أو الهيئة أو القطاع هذا أو ذاك، يتعامل مع البشر وكأنهم يعملون عنده، والصحيح أنهم يعملون معه وتحت إدارته لكن جميعهم يعملون لدى الدولة في النهاية، إذ ليس المسؤول سواء أكان وزيراً أو وكيلاً أو غيره هو من يصرف لك راتبك يا مواطن «من جيبه»، بل هذه أموال الدولة تؤدى للجميع لك وللوزير نظير أداء وعمل وحسن تصرف وحفاظ على المال العام واستغلاله في تحقيق الأهداف المرجوة من هذا القطاع، بالتالي المسؤول عليه أن يستوعب بأنه «موظف» لدى الدولة، وليس مالكاً لهذه الوزارة أو الهيئة. المزعج فيما أراه، بأن هناك ممارسات وسلوكيات خاطئة تصدر من كثيرين ذوي مناصب ومسؤولية لا يجب أن يقبل بها، وتعد تجاوزات فاضحة، ومعها أسلوب تعامل غير إداري يصل لمستوى «الانتقام» أو «الصراخ» أو «الكيد» تجاه موظفين معينين، خاصة إن لم يتفقوا مع السياسة الخاطئة التي يسير بها المسؤول، وخاصة لو جدت «جوقة» تحيط به تهلل له وتدافع عنه وتحميه وتعتبر كل أفعاله صحيحة وتغض الطرف عن تجاوزاته، وطبعاً لأن «الجوقة» مستفيدة أيضاً. المزعج أقول إزاء هكذا ممارسات أن هناك نوعاً من «الثقة المهزوزة» لدى كثير من الموظفين في الجهة التي من المفترض حمايتهم بالقانون لو أرادوا التبليغ عن هذه التجاوزات وهذه السلوكيات الخاطئة، رغم أن لدينا خطاً للفساد (992) تابع لوزارة الداخلية للتبليغ عن أي حالات فساد إداري أو مالي مثبتة.
ولماذا «الثقة مهزوزة»؟! لأن أولاً: الموظف لا يعرف ما يتوجب عليه فعله حينما يتعرض لظلم إداري أو يرى تجاوزات خطيرة. هل يذهب إلى إدارة الموارد البشرية داخل المؤسسة؟! وماذا إذا كانت هذه الجهة عناصرها أيضاً ضمن «الجوقة»؟! هل يتوجه إلى ديوان الخدمة المدنية ليتظلم؟! طيب هل هناك ضمانات حتى لا يتعرض لانتقام المسؤول بعدها؟!
وثانياً: هل بعد إثبات وجود التجاوزات وحالات الظلم، هل هناك إجراءات صارمة تتخذ بحق هؤلاء المسؤولين الذين حولوا أماكن العمل لـ «عزب خاصة»؟! هل تتحرك الدولة لتصحيح الخطأ وتقويم المعوج؟! في دول أخرى المسؤول الذي يخل بواجباته إدارياً قبل الإخلال بها مالياً يتم تغييره على الفور، لأن مثل هذا الشخص لا يستحق أن يدير بشر ولا يؤتمن على مال عام.
ولذلك نقول لديوان الرقابة المالية والإدارية: «رجاء افتحوا عيونكم أكثر فلدينا أكثر من مسؤول لو كان الأمر بيده لغير اسم القطاع لاسمه».
ونقول لديوان الخدمة المدنية: «رجاء افتحوا أبوابكم واسمعوا الموظفين وانصفوهم فبعض المسؤولين والله أبرع من الشيطان نفسه في الكيد وفي ظلم البشر».
ونقول للدولة والحكومة: «إن كنتم تريدون إصلاح الممارسات الإدارية بما ينعكس إيجاباً على الأداء العام، اعزلوا من لا يستحق حمل الأمانة ومن أخل بها، وابحثوا عمن تنطبق عليهم الآية الكريمة «إن خير من استأجرت القوي الأمين»، فالأمين لا يخون الأمانة أبداً.
وأخيراً نقول لك يا موظف: «لا تسكت عن الأخطاء، تكلم وارفع ملاحظاتك وتكلم وخاطب الجهات الرسمية المعنية، لكن لا تقبل بأن ترى الخطأ أمام عينك وتسكت، فالساكت عن الحق شيطان أخرس».