تواصل » صحف ومجلات

النفط والحالة المعتادة الجديدة

في 2015/09/03

محمد عبد الله العريان- الشبيبة- مرة أخرى، كانت أسعار النفط تتجه نحو الهبوط، حيث تراجع سعر برميل الخام الأميركي مؤخراً إلى 42 دولارا ــ وهو أدنى مستوى منذ مارس 2009، عندما كانت الأزمة المالية العالمية على أشدها. وفي حين كان الهبوط الحاد الذي سجلته الأسعار العام الماضي متأثراً بشدة باثنتين من صدمات العرض الكبرى، فإن الانخفاض الحالي أيضاً كان راجعاً إلى بُعد مهم يتعلق بالطلب.

ومن ناحية أخرى، بدأت أسواق النفط تكتشف كيف قد تكون الحال عندما تعمل في ظل نظام مُنتِج جديد متحكم: الولايات المتحدة. ونتيجة لهذا، أصبحت عملية تكوين الأسعار أكثر ارتباكاً اليوم، مع فترات تعديل أطول كثيرا.

لقد تغيرت ديناميكيات أسواق الطاقة بشكل ملحوظ مع تشغيل إنتاج الصخر الزيتي على نطاق محرك للسوق في الفترة 2013-2014. ومع تلبية هذا المصدر الجديد للمزيد من الطلب العالمي على الطاقة، وخاصة في الولايات المتحدة، لم يعد مستخدمو الطاقة يعتمدون على منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) وغيرها من منتجي النفط. وفي هذه العملية، أصبحوا أيضاً أقل عُرضة للمخاوف السياسية.

وما أضاف إلى التغيرات التي طرأت على جانب العرض كان الإعلان التاريخي الصادر في وقت لاحق عن المملكة العربية السعودية بأنها لن تستمر في قيادة منظمة الأوبك في الاضطلاع بدور المنتج المتحكم، ولن تخفض الإنتاج عندما تسجل الأسعار هبوطاً شديدا، وأنها سوف تزيد من إنتاجها في الاستجابة لأي زيادات حادة في الأسعار.

وكان ذلك القرار مفهوماً ومنطقيا. ذلك أن القيام بدور المنتج المتحكم كان يأتي على حساب الجيل الحالي والأجيال المقبلة من المواطنين السعوديين بشكل متزايد. فقد زاد المنتجين غير التقليديين من نفوذهم في السوق، واستمر المنتجون من خارج منظمة الأوبك في التخطيط لناتج مرتفع، وفشل بعض أعضاء منظمة أوبك في الالتزام بسقوف الإنتاج. وبالنظر إلى كل هذا، لم يعد من الممكن أن نتوقع من المملكة العربية السعودية أن تتكبد التكاليف المتنامية في الأمدين القريب والبعيد نتيجة لقيامها بدور القوة الداعمة للاستقرار في السوق والذي لعبته لعقود من الزمان.

كان من الطبيعي أن تتسبب مثل هذه التغيرات الجوهرية في جانب العرض من السوق في دفع أسعار النفط إلى الهبوط إلى مستويات أدنى ــ أدنى كثيرا. فهبطت الأسعار بما يتجاوز النصف في غضون فترة لم تتجاوز بضعة أشهر في العام الماضي، الأمر الذي فاجأ العديد من التجار والمحللين في سوق النفط.

ثم استقرت أسعار النفط بعد تجاوز مؤقت ارتفاعاً بعض الشيء، فكان التداول متزايد القوة لبعض الوقت بمساعدة ردود فعل تقليدية في السوق. فأولا، تسبب الانخفاض الكبير للأسعار في تدمير كم ضخم من المعروض، حيث أصبح بعض منتجي الطاقة، من القطاعين التقليدي وغير التقليدي، غير قادرين على تحقيق الربح. وثانيا، مع تجاوب المستهلكين مع تكاليف الطاقة المنخفضة، بدأ الطلب يتعدل تدريجيا.

ولكن سرعان ما تسبب عامل جديد في إرباك الاستقرار النسبي، الأمر الذي دفع أسعار النفط إلى المزيد من الانخفاض: وهو دليل على أن الاقتصاد العالمي كان متزايد الضعف، وأن قدراً كبيراً من هذا الضعف كان يحدث في بلدان تعتمد على الطاقة بكثافة نسبياً مثل الصين والبرازيل، فضلاً عن روسيا (وهي ذاتها منتجة للطاقة).

واليوم بات بوسعنا أن نجد مؤشرات هذا التباطؤ العالمي في كل مكان ــ من بيانات التجزئة والتجارة المخيبة للآمال إلى الاستجابات السياسية غير المتوقعة، بما في ذلك خفض قيمة العملة المفاجئ في الصين (والذي يتزامن مع التزام قادتها بالتحول الطويل الأجل نحو نظام لسعر الصرف أكثر اعتماداً على السوق).

ولا يقتصر التأثير على الأداء الاقتصادي وتحركات السوق المالية. كما يعمل تباطؤ النمو العالمي على تضخيم الضغوط السياسية، وفي بعض البلدان، يضيف إلى الضغوط الاجتماعية ــ وكل من الأمرين يميل إلى تقييد الاستجابات السياسية.

من الصعب أن نرى تشكيل سوق النفط العالمي الحالي للعرض والطلب يتغير بسرعة في أي وقت قريب. أما عن المنتج المتحكم الجديد، فإن وظيفة الاستجابة التي تقوم بها الولايات المتحدة أبطأ كثيرا (وأقل إحكاما) مقارنة بالمملكة العربية السعودية ومنظمة الأوبك.

خلال الأشهر القليلة القادمة، سوف تغير الولايات المتحدة فعلياً شروط العرض والطلب على النحو الذي يضع أرضية ثابتة تحت أسعار النفط ويجعل التعافي التدريجي للسوق ممكنا. ولكن خلافاً للمنتج المتحكم السابق، فإن هذا سوف يكون ناتجاً عن قوى السوق التقليدية، وليس قرارات سياسية.

وينبغي لنا في حقيقة الأمر أن نتوقع انخفاضاً أكثر حدة في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة مع تسبب الأسعار المنخفضة في زيادة الضغوط على المنتجين المحليين. ومن إغلاق المنصات الإضافية إلى تقليص الاستثمار الجديد في استغلال موارد الصخر الزيتي، فمن المرجح أن تشهد الولايات المتحدة انخفاضاً في إنتاجها المطلق من الطاقة، فضلاً عن حصتها في الناتج العالمي