د. عبدالحميد الأنصاري- الوطن- يجتمع اليوم في القاهرة 50 عالماً ومفتياً من دول عربية وإسلامية في مؤتمر دولي بعنوان الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل بهدف وضع ميثاق شرف يسعى لتفكيك الفكر التكفيري، وينسق بين الفتاوى في القضايا المشتركة ويتصدى لفتاوى الإرهاب والتطرف الصادرة من غير المتخصصين في الفتوى، كما يتضمن محاور المؤتمر، فكرة إنشاء مركز عالمي لفقه النوازل وفتاوى الأقليات، وإعداد موسوعة فقهية للمفاهيم الدينية، وإنشاء موقع إلكتروني ينسق إصدار الفتاوى بين دور وهيئات الإفتاء في العالم تحت إشراف دار الإفتاء المصرية.
يأتي هذا المؤتمر في سياق سلسلة من المؤتمرات والندوات الوطنية والإقليمية والدولية التي شهدتها الساحة على امتداد السنوات الـ«15» الماضية، وهي جهود مقدرة وضرورية في مواجهة ومكافحة الوباء الإرهابي، لكن جدواها ونتائجها وفعاليتها، لا تزال دون الآمال والأهداف المرجوة، ما أكثر المؤتمرات والندوات والمراكز المعنية بمكافحة الإرهاب وما أقل نتائجها وثمارها في محاصرة المرض الإرهابي، ووقاية الشباب من فيروسات التطرّف المهلكة، الإرهاب يتمدد وينتشر ويخطف فلذات الأكباد إلى ناره المحرقة بالرغم من كل الجهود المبذولة في الحماية والتحصين والمواجهة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية.
هلا تساءلنا: لماذا يزداد الإرهاب انتشاراً؟ ولماذا ينجح في اختطاف المزيد من الشباب المسلم إلى خدمة أهدافه العدوانية؟ هل يعقل أن 40 % من معتنقي الإسلام حديثاً في أوروبا، يريدون الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية؟
لماذا لم تنجح الجهود المبذولة، إعلامياً وأمنياً ودينياً، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي في وقف زحف الفكر المتطرف- عبر القارات- واستحواذه على عقول وأفئدة شباب غض يافع من الجنسين؟ لماذا ازداد الإرهاب ضراوة وفتكا، حتى أن الركع السجد في بيوت الله تعالى، لم يسلموا من شره وعدوانه؟!
لفد صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية أوديرنو بأن هزيمة داعش قد تستغرق من عشر إلى عشرين سنة!
هذا عن هزيمة داعش عسكرياً ولكن ماذا عن فكره؟ وماذا عن بقية التنظيمات الإرهابية أخوات داعش؟!
كل هذه التساؤلات حول أسباب انتشار الإرهاب، وكل هذه المؤتمرات المعقودة لمكافحته، وكل تلك الجهود المبذولة لحماية الشباب من فكره، تدفعنا إلى استخلاص نتائج تتلخص في احتمالات أربعة، هي:
1- إما أن هذه المؤتمرات لم تحسن تشخيص المرض الإرهابي القاتل، ولم تصل إلى أساس الداء المُهلك للأنفس والمجتمعات والأوطان.
2- إما أن النتائج التي تتوصل إليها هذه المؤتمرات وتقدمها في شكل توصيات، لا تجدي نفعاً في علاج المشكل الإرهابي.
3- إما أن هذه الموتمرات تحسن التشخيص ووصف العلاج، لكن توصياتها لا تجد مجالاً للتطبيق لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية متعلقة بتركيبة مجتمعاتنا وطبيعة الأنظمة السياسية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.
4 - وإما أن المرض الإرهابي قد وصل إلى درجة من التعقيد والتغلغل في النسيج المجتمعي، بحيث يستعصي على العلاج مثله مثل المرض السرطاني الخبيث الذي يمكن معالجته والقضاء عليه في أول اكتشافه وظهوره، ثم يزداد صعوبة إذا تطور المرض وتمكن من المريض، وهذا ما نراه ونشاهده في حالات كثيرة لمتطرفين تمكن منهم المرض الإرهابي، يجرمون، ويقعون في قبضة الدولة، فيناصحون، ويستتابون، باعتبار أنهم فئة ضالة وشباب تم التغرير بهم فيرجى برؤهم من المرض الإرهابي وهدايتهم إلى سواء السبيل بعد مناصحتهم وتوضيح الأحكام الشرعية الصحيحة أمامهم من قبل علماء ومشايخ الدين، حتى إذا أعلنوا التوبة والبراءة من الفكر الضال واعترفوا بأنهم كانوا ضالين، مغررا بهم، وتعهدوا بالاستقامة، وأطلق سراحهم، انتكسوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من ضلال وإجرام وإفساد، هؤلاء إرهابيون وليسوا فئة ضالة أو شبابا مغررا بهم، فلا تجدي معهم أية مناصحة ولا تنفعهم أية معالجة، هؤلاء ليست لهم إلا المحاكمة والعدالة الناجزة والتنفيذ السريع، كما يقول الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي.
لا يمكن مكافحة الوباء الإرهابي الخبيث والمدمر للأنفس والمجتمعات والأوطان، إلا إذا واكب العلاج الثقافي العلاج الأمني وذلك ضمن إستراتيجية وطنية شاملة: للمنابر التعليمية والثقافية والدينية والتشريعية، تتعاون فيها كافة أجهزة ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، سواء على مستوى الدولة الواحدة أو على المستوى الخليجي والعربي أو على المستوى الإقليمي والدولي، إذ لا يجدي العلاج الجزئي، لابد من معالجات شاملة، والمؤتمرات التي تنعقد لمكافحة الإرهاب، بهذا الاعتبار، يمكن أن تساهم في تقديم مثل هذه المعالجات.