أيمـن الـحـمـاد- الرياض-
في عزّ الأزمة المالية العالمية في 2008م، قال وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف في حوار أجريناه معه ونشرته جريدة "الرياض" من واشنطن حيث كان اجتماع قمة العشرين يعقد أعماله لمناقشة الأزمة وقتها كان سعر برميل النفط قد شارف على (40 دولارا)، قال: "إن الاقتصاد السعودي قويّ وسوف يستمر في النمو يساعده في ذلك جانب مهم وهو أن المملكة كونت احتياطيات جيدة خلال ارتفاع أسعار النفط"، ورغم أن الارتفاع لم تكن موجته طويلة نما اقتصاد المملكة الحقيقي (30%) في الفترة بين 2008 – 2013 (بأسعار النفط عام 99) مدفوعاً بتعافي الاقتصاد العالمي، واليوم يبدو أن الاقتصاد ينتعش أكثر لاسيما الأميركي وهذا سيجلب فوائد، فارتفاع الدولار يعني انخفاض في المواد الاستهلاكية والسلع الأولية، وبالرغم من أن نمو الاقتصاد الصيني قد شهد انخفاضاً مؤخراً لكن سرعان ما تدخل "بنك الشعب الصيني" أو المصرف المركزي من أجل تعزيز اثنين من المصارف التنموية بمبلغ 93 مليار دولار كجزء من تدعيم قاعدة رأس المال.
وكما قالت "الإيكونيميست" في مقالها الرئيسي هذا الأسبوع "إن العملاقين أميركا والصين يتجاذبان العالم، ويوجه كل منهما دفته إلى وجهات مختلفة، وأن وتيرة الانتعاش الاقتصادي الأميركي تتسارع، في وقت يتباطأ الاقتصاد الصيني. وهذا التباين هو وراء الاضطراب، في الأسواق النامية على وجه التحديد".
إن التقارير الواردة اليوم التي تتحدث عن الاقتصاد السعودي ربما تفتقد إلى الدقة والعلم ببعض التفاصيل المهمة عن الوضع الاقتصادي في المملكة، كما أنها تتجاهل قدرة بلادنا في التعامل مع الأزمة المالية العالمية الفائتة، والتي صمد فيها اقتصادنا بشكل مثير للإعجاب، بل إنه ساهم بشكل رئيسي في تعزيز الاقتصاد العالمي، حتى وإن كانت التقارير الاقتصادية مصدرها البنك الدولي فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن مقترحات البنك هي مجرد مقترحات ربما تصيب وقد تخطئ كما تحدث بذلك المحلل المالي علي الجفري.
إن الاخبار التي تتحدث عن سحب جزء من الاحتياط النقدي، وإصدار وزارة المالية لسندات بقيمة (5.3) مليارات دولار أمرٌ لا يمكن تحميله أكثر مما يجب، فهنالك اقتصاديات قوية وضخمة مثل الاقتصاد الصيني الذي أصدر سندات دفترية عام 2014 بقيمة (6) مليارات دولار، وألمانيا في 2009 أصدرت سندات بقيمة (400) مليار دولار لسد احتياجات الحكومة فكلما ازدادت ضخامة الاقتصاد ارتفعت فاتورة الصرف.
إن إقبال البنوك على سبيل المثال على شراء السندات المالية، تعطينا إشارة مهمة وضرورية على ثقة البنوك في الاقتصاد السعودي، كما أن هذه الخطوة ستحفز المصارف على الإقراض وليس الإحجام عنه.
وبالرغم من ذلك يجب ألا يكون الأمر مطمئناً لدرجة كبيرة فنسبة من القلق ضرورية من أجل الانتباه وأخذ الحيطة، ويجب أن نكون دقيقين في توصيف المشكلة فكلمات أو عبارات مثل التقشف أو الركود أو العجز تفتقد الدقة وليست في محلها بتاتاً، وأن العبارة التي يمكن أن نستخدمها اليوم هي الإدارة المالية بكفاءة وفعالية، فعلى سبيل المثال إدخال التكنولوجيا الحديثة والأنظمة الرقمية من شأنها دعم الاقتصاد، والتخلي عن البيروقراطية المكلفة مادياً ووقتياً، إن من الثابت أن الدول عندما تمر بأي تقلبات مالية فإن جزءاً من عملها يتمحور حول دعم القطاع الخاص، وتشجيعه وليس كبح جماحه، وهذا جزء من عملية الكفاءة.
من الضروري أيضاً أن نبدأ فعلياً في وضع خطة تنموية تخفف تدريجياً من اعتماد اقتصادنا على النفط، وهذا يتم من خلال عمل دؤوب وجديّ بعيداً عن التسويف أو التكاسل أو التهاون.
إن من الواضح أن التأثير النفسي للأخبار المتسارعة هو الذي يقود المشهد في سوق الأسهم ليس على مستوى المملكة بل حتى على مستوى العالم، ويجب أن يكون لدينا قناعة بأن الاقتصاد كما التجارة يربح ويخسر وينشط ويخمُل.