خلف الحربي- عكاظ-
شكل قيام تنظيم داعش بقطع رأس عالم الآثار السوري خالد الأسعد صدمة عالمية لا تقل عن الصدمات السابقة التي سبق أن أحدثها التنظيم الإرهابي الدموي، علقوا جثته على عمود كهرباء وقطعوا رأسه ووضعوه بين قدميه، وهو الذي تجاوز الثمانين من عمره، قضى 40 سنة منها مديرا للآثار في تدمر وشريكا في كل البعثات الأثرية في تلك المدينة التي عشق آثارها وأصبح مرجعا فيه وفي لغتها التدمرية، وقد علق التنظيم لوحة بائسة تحت الجثة كتب عليها بخط رديء جملة من التهم العجيبة التي وجهها التنظيم لعالم الآثار الذبيح، منها: تمثيله لسورية في المؤتمرات الكفرية (أي مؤتمرات الآثار)، وعمله مديرا للأصنام، وموالاته للنظام.
وقد انتشرت روايات مختلفة حول أسباب إقدام التنظيم على إعدام الأسعد، منها ما نشر حول رفضة إرشاد التنظيم إلى مكان كنوز أثرية تم إخفاؤها عن عيون الدواعش بعد سيطرتهم على تدمر قبل أشهر، وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن التنظيم احتجز خالد الأسعد وابنه قبل أن يطلق سراح الابن بعد شعوره بآلام في الظهر، ووسط حملة الإدانات الدولية التي لا تغير شيئا في هذا الواقع القبيح أعلنت إيطاليا أنها ستنكس الأعلام في المتاحف والمراكز الثقافية.
خيرا فعلت إيطاليا.. فهذا هو التفاعل الأمثل مع هكذا خبر.. حداد ثقافي.. حزن ثقافي.. غصة ثقافية.. شيء ما يشابه البكاء على حالة الانحطاط العقلي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، بعد أن خرجت الجماعات الإرهابية من كهوفها الخفية وسيطرت على الأرض وأصبحت تظن أن بقتلها الإنسان سوف تنجح في قتل الفكرة التي في رأسه، تماما مثلما تظن أنها بتحطيمها للأثر التاريخي تستطيع أن تنهي الأثر الحضاري الذي تراكم في نفوس البشر عبر مئات السنين.
خلال 2000 عام مر على هذه المناطق الأثرية دول وجيوش وفاتحون وجماعات مارقة وحضارات ومستعمرون ومحتلون وقطاع طرق ومحررون ومجاهدون ومهاجرون، ولم يفكر أحد منهم بهدم الآثار ومحوها كما تفعل داعش بحماسة اليوم، يشعر التنظيم بلذة وهو يتحدى العالم في تدمير الآثار.. لِم لا؟.. فالهدف سهل والصدمة كبيرة.. والأسهل من كل ذلك قتل عالم الآثار الذي قضى عمره مع هذه الآثار وشارك في اكتشاف عدد كبير منها، ولم يمنعه تجاوزه الثمانين من العمر من قراءة ما يكتب على جدران تدمر باللغة التدميرية وتأمل جمال آثارها والتغزل بهذه الكنوز الأثرية على صفحته في الفيس بوك.. ولم يتوقف عن تعريف العالم بآثار تدمر إلا حين قبض عليه التنظيم الإرهابي وقطع رأسه.. لقد أصر خالد الأسعد على الدفاع عن الحضارة التي أحبها حتى آخر لحظة في عمره.. وبمثله تبقى الحضارات وتزول موجات الجنون والجهل حتى وإن ساعدها الزمان.