عمر بن عبد العزيز الزهرانى- شؤون خليجية-
وحدهم أولئك الرجال الذين يقبعون في سجون النظام.. أولئك الشرفاء الذين تمردوا على السائد والعادي.. أولئك الأحرار الذين أبوا الركون إلى الظلم والظالمين، من يحق لهم طرح هذا السؤال، أما أنا وأنت فلا أظنه من اللائق أصلًا أن نطرح مثل هذا الأمر ونخوض فيه.
هي جملة يسعى من خلالها صاحبها للهروب من المسؤولية والتخلص من أعبائها، فهو وإن كان يؤمن بصحة القضية، إلا أنه يطرح هذا الموضوع ليجد لنفسه مخرجًا للدعة والراحة، ويعطي لها مساحة من التبرير، فتراه يكرر بكل ثقة: هذا الشعب لا يستحق.
ما أسهل الهروب من المسؤوليات ومن الواجبات الأخلاقية، وما أسهل اختلاق الأعذار ودغدغة المشاعر بالعبارات الكاذبة المغشوشة كهذه الجملة التعيسة: الشعب لا يستحق التضحية!
مشكلة الأحرار الذين آثروا السجون على التطبيل والتزمير، وآثروا الحرمان على السعة والاطمئنان، أنهم لم يستطيعوا طرح هذا السؤال أو التفوه بهذه الجملة، بل تجاوزوها بمراحل، بل لتلك المرحلة التي جعلتهم يغيبون قسرًا خلف قلاع السجان وغياهب زنازينه، ولم يعبؤوا بالتفكير أو الإجابة عما إذا كان هذا الشعب يستحق التضحية أم لا، ومنذ متى كان ينتظر هذا الصنف البشري النادر الفريد جزاءً أو شكورًا؟
سألت والدة أحد المعتقلين السعوديين، وهو ممن تجاوزت أحكامهم العشر سنوات: يا خالة ليش ولدك ما يوقع على تعهد ويعتذر ويخرج.. هل سألتيه؟
فأجابت : والله سألته.. لكن قال يرضيك أوقع وأعتذر وأتراجع عن الحسنة الوحيدة اللي قدمتها بحياتي؟ يا أمي وماذا قدمنا لأمتنا وأوطاننا؟!
هذا الجواب الذي صاغه هذا المناضل، والذي نزل على قلب أمه كالصاعقة وكإعلان نهائي لرفض إلحاحها التام للتنازل عن القضية، لم يكن ليخرج من لسان رجل عادي، بل هو نابع من وجدان خلطت به مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فغلبت حلاوة الإيمان.
اليوم ورغم حملات التشويه التي يتعرض لها هؤلاء، إلا إنني أجد فيهم وفي ذويهم صبرًا عجيبًا على الأذى والعذاب.. كيف لا وقد اختاروا التضحية بأنفسهم لإثبات غرق السفينة عل الناس يفيقون ويدركون ويتقدمون خطوة للتغيير، وعل تضحيتهم تلك تكون سببًا لدفع البلاء ورفع الظلم عن هذه الأمة وعن هذه الشعوب، فطوبى لهم.
ولا أجد عند الختام سوى مروري السريع على قصة أحد الذين حكموا بأحكام قسرية، إذ قلت له يا أبا فلان: ومن لأبنائك من بعدك حين تغيب غدًا خلف القضبان؟ فقال: لهم الله لهم الله هو حسبنا ونعم الوكيل.
أقول: وكل شعب كان منه هؤلاء وأشباههم هو شعب استحق التضحية، ويبقى السؤال الأهم: هل نحن أهل لدفع فاتورة التضحية هذه، أم سنتهرب عن سدادها بالبحث عن أعذار؟. ألقاكم على خير.. كونوا أحرارًا..