هاني الفردان-الوسط-
شهد شهرا فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2015 حملة هدم «شرسة» من قبل تنظيم «داعش» لآثار عراقية تعود لآلاف السنين، وسبق ذلك أيضاً هدم لآثار في سورية، كما فجّر التنظيم الإرهابي ودمّر مساجد وجوامع ومزارات ومواقع أثرية تاريخية قديمة.
صدم العالم بتلك المشاهد المصورة، ووصفتها الأمم المتحدة واليونسكو بـ «جريمة حرب»، فيما أدانت دار الإفتاء المصرية ما قام به تنظيم «داعش» الإرهابي من تدمير للآثار والتماثيل التاريخية الآشورية بمتحف الموصل في مدينة نينوى العراقية، بدعوى أنها أصنام يجب تدميرها، مؤكدةً أن تلك «الآراء الشاذة التي اعتمد عليها (داعش) في هدم الآثار واهية ومضللة، ولا تستند إلى أسانيد شرعية، خصوصاً أن هذه الآثار في جميع البلدان التي فتحها المسلمون كانت موجودةً ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها، وهم رضوان الله عليهم كانوا أقرب عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا، بل كان منهم صحابة جاءوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبا الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأياً شرعياً يمسّ هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة».
التاريخ لا يرحم ولا ينسى، وهو يوثّق كل ما قيل، ويشير إلى أن نواباً بحرينيين قريبين جداً من أفكار تلك التنظيمات بمسمياتها القديمة والحديثة ومن «القاعدة» إلى «جبهة النصرة» و«داعش» وأخواتها، كانوا قد تحدثوا ولمحوا وتحركوا لإزالة وهدم آثار بحرينية!
ففي يوم الأحد 17 يوليو/ تموز 2005 طالب نائب بإزالة قبور عالي (أكبر مقبرة تاريخية في العالم حتى وقتنا الحاضر)، مطالباً ببناء مشروعات إسكانية عليها.
قد يذهب البعض لإعطاء مبرّر لذلك النائب كونه قدم حاجة الإنسان الحالية على التاريخ والآثار، وأن مطالبته كانت فقط كون تلك القبور قد تحل مشكلة إسكانية، إلا أن الواقع مختلف جداً، إذ كانت لغة النائب هي ذات اللغة الحالية لتلك الجماعات التي تهدم تلك الآثار في العراق وسورية.
النائب المذكور صرّح في جلسة مجلس النواب قبل عشر سنوات وقبل ولادة «داعش» قائلاً: «يكفينا قبر واحد فقط من هذه القبور لكي نقص به على الأجانب، ولا مبرر لإبقاء هذه المساحات من أجل عظام بالية مضى عليها آلاف السنين، ثم إني لا يشرفني أن أفتخر بهؤلاء الكفار ولا أفتخر بدلمون ولا بطيخ وأرجو عدم تسييس القبور»!
هذا الطرح ليس المقصود منه تسليط الضوء على نائب معين، بل على هذا الفكر الذي بات موجوداً على أرض البحرين، ويرفض البعض الاعتراف بوجوده. وهو فكر يؤمن بنظريات «تكفيرية» و«تخريبية» تحارب التاريخ والثقافة والتراث الإنساني، وتعتبره «كفراً» يجب أن يُزال.
هذا الفكر المتشدد يمكن تلمسه عبر عدة شخصيات تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً لها للدفاع بشكل غير مباشر حالياً عن تنظيم «داعش» تحت ذرائع متعددة، لا تعيرها السلطة أي اهتمام، لأنها منشغلة بملاحقة مغرّدين يعارضونها فقط في الداخل.
الحكومة البحرينية عبر وزارة الخارجية أصدرت بياناً في (27 فبراير 2015) أدانت فيه تدمير «داعش» الآثار بمتحف الموصل، واصفةً ذلك العمل بـ«الإجرامي» و«الوحشي» و«البربري الغاشم»، والذي يجسّد «وحشية غير مسبوقة ضد الإنسانية ويعكس جهلاً شديداً بالدين الإسلامي، وتطرفاً مقيتاً في فهم الدين وتفسيره».
حكومة البحرين أكّدت أن «الاعتداء الهمجي لتنظيم (داعش) الإرهابي على التراث الحضاري لشعب العراق لا يمت للدين الإسلامي بصلة، ويعد جريمةً بحق تراث العراق بشكل خاص، وبحق التراث والحضارة الإنسانية بصفة عامة».
تلك اللغة التي لا يمكن أن تحصر فيما قيل في مجلس النواب قبل عشر سنوات، لغة تصفها الحكومة البحرينية ممثلة بوزارة الخارجية بأنها «إجرامية»، «بربرية» و«وحشية»، بل تراها أيضاً «لا تمت للدين الإسلامي بصلة». تلك اللغة كانت موجودةً في البحرين، وتحدثت تحت قبة البرلمان، ولكن لم يكن لها موقف منها، ولم تنتقدها أو توقفها عند حدها!
تلك اللغة كفّرت أمةً وجدت قبل الإسلام بآلاف السنين! لغة ترفض التاريخ البحريني القديم وتراثه وتعتبره «بطيخ» ولا يستحق الافتخار به، بل تطالب بإزالته! لغة وعقلية، تحظى بالتفضيل، وبمساحة واسعة من التكريم لتلك الجماعات التي أصبحت تسيطر على بعض مواقع النفوذ في البلاد، ولن تتوانى أبداً عن فعل ذلك متى سنحت لها الفرصة لتطبيق معتقداتها، كما سنحت الفرصة لـ «داعش» في فعل ذلك في العراق وسورية.
لغة لن تموت، وربما تختفي مؤقتاً، وما أن تتهيأ لها الظروف ستنقض من جديد، وستجاهر بمعتقداتها، بل ستعمل على تطبيقها كما يحدث في مناطق عربية سيطروا عليها، إذ تنسجم هذه اللغة أيضاً مع تهديدات سابقة عن اللجوء إلى «القاعدة وأخواتها» في حال قبلت البحرين بخيار الديمقراطية.