د. يعقوب أحمد الشراح- الرأي-
جرت العادة في الكثير من المجالس النيابية في الدول النامية أن يقول النائب أي شيء يريده أو يسلك مسلكاً غريباً وربما ضاراً بالآخرين من دون محاسبة باعتبار أنه يمتلك حصانة مطلقة تعفيه من المساءلة القانونية، ولقد أدى ذلك إلى استغلال سيئ لمفهوم الحصانة، واعتبرها البعض سلاحاً ذا حدين فيه الخير والشر، والشفافية والفساد لدرجة أن بعض النواب رأى في الحصانة مسلكاً للهروب من المساءلة القانونية عند ارتكاب الأخطاء، والامتناع عن الحضور أمام القضاء عند طلب القضاء ذلك بناء على دعاوى مرفوعة من جهات خارجية.
وحيث إن الدستور يجيز هذه الحصانة المطلقة للنائب فإن الكثير من الاختلالات تحدث ويكون بعض النواب سبباً فيها، خصوصاً التطاول أو المساس بالآخرين ما يحتم أحياناً ضرورة رفع الحصانة عنهم بموافقة المجلس النيابي الذي يتجنب كثيراً عدم رفع هذه الحصانة حتى لا تكون عادة أو نمطاً جائزاً في كل مرة يُطلب فيها رفع الحصانة. والسؤال: كيف ترتكب المخالفات من بعض النواب بينما يفترض فيهم محاسبة الوزراء على المخالفات؟، وهل يعقل أن ينخرط بعض النواب في أفعال تتناقض مع تأديتهم للقسم بمراقبة أداء الحكومة، وسن التشريعات من أجل تطوير البلاد، ورد الجميل للناخبين الذين وضعوا ثقتهم في توصيلهم إلى المجلس النيابي؟
مفارقات عجيبة لا نجدها في الدول المتحضرة رغم أنها لا تختلف كثيراً في واجبات أعضاء البرلمان، فالاختلاف يلاحظ في الممارسات الديموقراطية، والحرص الشديد على تطوير وحماية التشريعات وتطبيق القانون. ففي هذه المجتمعات لا حصانة تمنع القضاء من مساءلة النواب، وحتى رئيس الحكومة لاعتبارات مختلفة منها أن العدالة مقدسة، والوطن له حقوق على الناس مثلما عليه واجبات...
إن التستر وراء الحصانة المطلقة، للأسف، خلق الشعور بقوة الفرد على القانون، وبعدم الامتثال للقضاء، واستغلال العضوية في التكسب غير المشروع، وسهولة التطاول على الآخرين، وخصوصاً المساس بهيبة الدولة وسلطتها. لذا ليس بمستغرب أن تنتشر سلوكيات تتناقض مع المسؤوليات، وقد تتخطى حدودها فتسيء للوطن. بل إن هذه الحصانة جعلت البعض يتمادى في العداء والتحدي، ويتعامل مع أطراف تشكل تهديداً لأمن الدولة وبصورة سافرة كأن تقوم بزيارات لأطراف غير مرغوبة من الدولة لتقديم الشكر باسم المواطنين أو قد تلجأ للتعامل مع جهات مشبوهة......
وإذا كان الدستور أعطى لأعضاء المجلس النيابي حصانة، ولهم الحق في إبداء آرائهم، وعدم اتخاذ إجراءات صائبة في غير حال التلبس إلا بإذن مسبق من المجلس النيابي، إلا أن التجارب تعكس أن الحصانة لا تسقط عن العضو حتى لو كانت هناك مبررات لإسقاطها.. لذلك ومن خلال رصد الواقع فإن الحاجة ضرورية لإعادة النظر في مفهوم الحصانة انطلاقا من الحاجة إلى الشفافية والنزاهة وتحمل المسؤولية، مادام النائب يمثل الأمة والمصلحة العامة، وليس دائرته فقط.
إننا لا نريد إن يقال لنا إن هذه المراجعة تتطلب تغيير الدستور رغم أن تعديل الدستور واجب بين فتره وأخرى، فلا ينبغي ربط المشكلة بخلق مبررات معقدة لحلها، فبالإمكان تعديل النظم واللوائح لمعالجة المشكلات المتغيرة والتى تقنن إجراءات العمل بالحصانة، وعلى نحو يجعلها أكثر استساغة وتوافقاً بدل إساءة استخدامها وبشكل لافت وصريح...