علي بن راشد المطاعني- الشبيبة-
تابعت ردود الافعال الواسعة على مقالي " حول رفع الدعم عن البنزين " المنشور في جريدة الشبيبة الاسبوع الماضي في وسائل التواصل الاجتماعي ، و منها السلبي الذي لا يليق بنا ان نتعاطى معه ناتج سوء فهم ، و قلة وعي حول ماهية التناول و الحوار ، وضعف الاطلاع على تجارب العالم التي تفرض مثل هذه الضرائب او اكثر و كيفية التعامل معها ، و بلورة سلوكيات ترشيدية قويمة تكيف المجتمع مع الازمات ، و كيفية التعاطي مع مقدرات الشعوب كثروات الناضبة مثل النفط ، و التفاعل مع خطط الحكومات في ادارة الازمات الى غير ذلك ، كل ذلك في نظر البعض مرفوض بدون معرفة ماوراءه و بدون ايجاد البدائل، و هذا النموذج الذي يقال بانه ليس لديه برنامج بديل و انما الرفض للرفض فقط ، و البعض الاخر كانت ردودهم فيها ما يمكن الوقوف عليه في مواجهة متطلبات المرحلة القادمة و حلول اخرى ترفد جهود الحكومة في تعزيز الايرادات الغير النفطية كنتشيط القطاعات الاقتصادية . الامر الذي يتطلب ان نناقش ماهو ذا فائدة للبلاد و العباد و غيرها من الجوانب التي من شانها ان تجنب الدولة المزيد من الالتزامات في المستقبل في ضوء الظروف الراهنة و الاوضاع في المنطقة التي لا تبشر بخير هي الاخرى.
لكن قبل كل شىء يجب ان ننوه باننا عندما نناقش مثل هذه الموضوعات الساخنة في الصحافة فهذه مسؤولية الاعلام ، و نناقشها من منطلق المصلحة العامة التي يسعى اليها الجميع او يفترض ، و ليس هناك اي وصاية او توصية من احد ، هذا ما عهدنا عليه العمل الاعلامي طوال السنوات الماضية في السلطنة، فهي ليست من الدول التي تستخدم الاعلام. فلا مزايدات على مثل هذه الكتابات التي تنطلق من قناعاتنا باهميتها في المقام الاول ، وان ما نرغبه من المستخدمين للمواقع التواصل الاجتماعي بان لايقفوا موقف الضد في كل التوجهات التي تصب في نهاية المطاف في مصلحة الوطن ، فالمواطن يجب ان يكون جزء لا يتجزاء من عملية التغير ومساهم فيها ، لا ان يقف متفرجا على ما يجري بدون ان يحرك ساكنا ، في حين يرغب في الحكومة ان تكون مثل البقرة الحلوب الى الابد ، فهذه السياسات من شانها ان تفلس الدولة ، مثلما حدثت لدى اليونان التي توهمت بانها في مامن من المشكلة الى ان اصبحت اضحوكة بين الدول ، لكونها لم تتخذ سياسات احترازية، وظلت تتمادي في اعلان المشكلات التي يعاني منها اقتصادها الى ان اضحت اليوم تحت طائلة ازمة مالية خانقة ، فنحن لابد ان نطالب باتخاذ اجراءات احترازية لمصلحة البلاد.
ان تهيئة الامور لما هو اسواء في ظل هذه المتغيرات التي تعصف بالعالم من مسؤوليتنا و رسالتنا كاعلاميين ، فالبلاد بحاجة إلى المزيد من تضافر الجهود على العديد من المستويات لتجاوز هذه الازمة و غيرها ،و بلورة فلسفة جديدة في التعاطي مع الاوضاع بشىء من الواقعية قبل ان يقع الفاس في الراس كما يقال.
من التحديات التي تواجهها السلطنة ارتفاع قيمة انتاج برميل النفط لدينا التي تصل كلفتة الى ما يربو عشرين دولار ، وعندما يصل سعر النفط الى40 دولار فان الايراد إلى خزينة الدولة 20 دولارفقط و هذه القيمة لا يغطي رواتب العاملين في الدولة ، فما بالك بالمصاريف الجارية الاخرى و الاستثمارية و الدعم و الالتزامات الخارجية للدولة، ورفع الدعم عن المحروقات كاحد البدائل لرفد الايرادات من شانه ان يوظف لقطاعات اخرى اكثر اهمية و الحاحا
و عندما طرحنا رفع الدعم عن المشتقات النفطية لامرين الاول حجم الدعم له كبير يصل الي مليار ريال حسب التقديرات و يمكن ان يحدث فرقا في سد بعض الالتزامات للقطاعات التنموية الاخرى كالتعليم و الصحة . و ثانيا انه يمكن للمستهلك ان يتكيف معه من خلال ترشيد الاستهلاك و تقليل عدد المركبات ، فضلا عن رفع الدعم ليس فيه مساسا بحياة المواطن مباشرة ، ناهيك عن هناك الكثيرون يستفيدوا من الدعم ليسوا اهلا له كالوافدين والشركات غير ذلك، بل ان هذا الرفع لن يشمل العديد من الفئات و قبل هذا و ذاك مقدر الفرق لن يكون كبير حتى نحدث تلك الضجة. لذا قبل اطلاقا احكاما يجب التعمن في الامور.
فهناك دول منتجة للنفط مثل النرويج تستخدم عوائد استثمارات النفط و ليس النفط ذاته في رفد الميزانية ، بل لا تستخدم الا 4 بالمائة من عوائد النفط ، هدفها في ذلك هو الحفاط على ثروة للاجيال و حماية اقتصادها من تقلبات اسعار النفط و ايجاد قاعدة لتنويع مصادر الدخل من خلال سياسات ضريبية كغيرها من الدول الاوروبية رغم ثراءها النفطي، بل ان البرلمان يلزم الحكومة بان لا تتجاوز نسبة استخدمها عوائداستثمارات للنفط النسبة المحددة و هي نسبة ضئيلة جدا مقارنة مع تحققه من عوائد، فاليوم النرويج تمتلك اكبر صندوق سيادي في العالم.
فالبعض يكره مثل هذه الرسوم ايا كان مصدرها و قيمتها ولكن كما قال سبحانه و تعالى " عسى تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم " فهذه الضريبة يمكن ان تكون عامل خير لنا من خلال ترتيب اولوياتنا كافراد من الاهمية اعادة هيكلة استهلاكنا ومساعدة الدولة في تجاوز تبعات هذه الازمات و الاعتماد على النفس قبل كل شئء ، و كما يقال " الثقل بين الجماعة خفيف " ويمكن السيطرة عليه ، و لكن الاهم هو هيكيلة تفكيرنا و تصرفاتنا و سلوكياتنا الغير رشيدة في كل اوجه حياتنا اليومية ، فهذا هو الرهان الاكبر الذي يكسبنا معركة التحدي في المستقبل.
ان بعض الردود ركزت على ماذا لم ننجح في تعزيز القطاعات الاقتصادية الاخرى و ان مساهمتها مازالت بسيطة في الدخل الاجمالي ، و يشيروا إلى العديد من الجوانب لم تتخذ و هذه الردود لها من الايجابيات ما يجب الوقوف عليه ، لكن عدم وصول بعض القطاعات الغير النفطية إلى مساهمتها المتوقعة او مازالت لا تحققق التطعات فهذا واقع له مبراراته و مسوغاتها عندما تقترب من الجهات تعذرها عندما تعرض ما تواجهه من تحديات من كافة الجوانب حتى المجتمع لا يساعدها في تحقيق هذه الغايات .
في الختام نؤكد بان المرحلة القادمة تقتضي الكثير ما يجب عمله في سبيل التضحية لبناء مجتمعا متفاعل و متجاوبا و متهيأ لكافة الظروف .و سنوضح بعض الجوانب في مقالات اخرئ لايضاح الصورة كاملة حول بعض الامور الغائبة.