د.يوسف الشريف – البيان-
برز دور المرأة في دولة الإمارات كإيمان راسخ من القيادة الحكيمة بمبادئ الشرع الحنيف، الذي جعل لها مكانةً ومركزاً مرموقين في مجتمعنا وأبرز دورها القيادي والتربوي منبثقاً من خلال ما نص عليه في الكتاب والسنّة من حقوق لها، وتنظيم لعلاقتها مع مجتمعها الذي كان يتمايز بالذكورية الصرفة المبنية على أسس بالية جعلت من المرأة في زمانها سلعة تُباع.
وتُشترى وتُورث كما المتاع الذي ينتقل للذكران من القوم، فجاء الإسلام الحنيف ليرفع قدر المرأة أماً وأختاً وزوجةً وبنتاً، بل جعل لها دوراً ريادياً في تعليم النشء وتهيئة رجالات الدولة، فهذه سيدتنا عائشة رضي الله عنها، تُعلم القوم ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات.
وهاتيك خولة بنت الأزور تشارك في معارك المسلمين ضد الكفر والإلحاد، وغيرهما من سيدات فاضلات ذكرن في سيرة النبوة أو تاريخ الصحابة والتابعين، ولقد كان للمرأة دور ريادي في المشورة وإبداء الرأي، فعندما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحبه في حجة الوداع بعد أن طلب إليهم أن يحلقوا رؤوسهم، فأبوا وتأففوا من الأمر، دخل عليه الصلاة والسلام على سيدتنا أم سلمة.
فسألته عما انتابه من ضيق وكدر، فحكى لها حاله وحال المسلمين معه، وهو يقول لقد هلك القوم، فما كان منها إلا أن أشارت على إمام العالمين، بأن يخرج ويحلق رأسه وسيراه قومه فيفعلون مثلما فعل، وقد كان ما أشارت به عليه عين الصواب فأنقذت القوم من الهلاك وعصيان أمر النبوة الوارد إليهم من ربهم.
وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، رضوان الله تعالى عليه، عندما أراد أن يحدد سقفاً للمهور، وهو حق مطلق للإمام أن يجريه أو أن يوقفه قياساً على الصالح العام بتقدير السياسة الشرعية لأحوالهم، فقامت إليه امرأة وقالت: وما قولك يا عمر في قول الله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا * أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) .
فقال الإمام العادل: أخطأ عمر وأصابت امرأة، وهذا بيان واضح لدور المرأة ومشاركتها في السياسة الشرعية وصالح المجتمع، ورداً دامغاً لكل من يتنكر لمشاركة المرأة في مجالس الشورى والحكمة، فما أدل على دحض مزاعمهم سوى مشاركة هذه المرأة ونساء أخريات مجلس الخطبة أو الموعظة جنباً إلى جنب مع الرجل، إلا أن مفاسد أخلاق الناس هي التي تحتاج إلى تصويب، وتعديل، وليس أحكام الشرع الحنيف ومباحها وعدلها.
على هذا النهج الحنيف سارت قيادة الإمارات، من عهد زايد الخير الذي أسس صرح بنيان المرأة وتعضيد كيانها في مجتمعها، فهيأ لها سبل التعليم والتعلم ووفر لها مكامن وأسباب النجاح للانخراط في سلك العمل جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل، ولتكون المرأة عوناً للعائلة وركناً من أركانها دون أن ينسى بالطبع مكانتها كربّة بيت وأم لها ما لها وعليها ما عليها من التزام تجاه الجيل الصاعد.
نعم إن ما ينعته البعض ضد هذا التوجه وهو وليد ما يرونه من إفراط ربما في بعض الأحوال من إهمال الأسرة لأولادها والتزامها الأول، لا يعني خطأ الخطة أو إجحاف الحق في تنصيب المرأة أو تمكينها من دورها السياسي والقيادي.
ولقد سارت قيادتنا على ذات النهج، بل عملت على تطويره وتأطيره بعد أن دعمت ركائزه الأولى، وكان اشتراك المرأة في المجلس الوطني أمراً واقعاً.
ولقد أثبتت المرأة بما تملك من خبرات ممزوجة بطابع الأنوثة المشرئبة بالأمومة والمسؤولية التي دائماً ما توجه لها أم الإمارات أمنا الوالدة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك التي جعلت من نفسها سنداً ودعماً للمرأة ودورها في مجتمعها لإثبات وجودها وكيانها في محافل شتى.
ونحن كمجتمع يتطلع إلى دور المجلس الوطني في دورته الجديدة نصبو إلى أن يكون للمرأة دور فاعل وأكبر، كما عهدناه منهن دائماً، وذلك من خلال إطلاق مبادرات جديدة تكون عنواناً رئيساً لبرنامجهن الانتخابي يُعنى بدعم ركائز الشورى التي تستوجب المشاركة الفاعلة في اقتراح تعديل نصوص بعض القوانين السارية، والتي تحتاج إلى إعادة نظر.
ربما لطول المدة التي صدرت به كتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة تحديداً بحق الحضانة وترتيبها التي باتت سلاحاً مسلطاً على رقاب المطلقات الحاضنات اللواتي يخشين ضياع أبنائهن منهن حال زواجهن بآخر.
فكان سبباً في شيوع الزواج العرفي والذي تضيع فيه حقوق المرأة، وكذلك نرى وجوب مطالبتها بتعديل قانون الأحداث والجانحين ليجاري تطورات المجتمع ونمائه وخطة رقيه التي يشهد لها القاصي والداني، كما لا يغيب وجوب مشاركتهن بالأنشطة الاجتماعية التي تزخر بها كافة محافل الدولة، وبإطلاق مبادرات جديدة هي أقرب إليهن إذ هن من يتلمس أساسيات المشاكل في حياة الأسرة من الأبناء، ونظام التعليم والتربية.
إن دور المرأة في العملية الانتخابية القادمة يجب أن يكون مبنياً على أسس سليمة لا تعتمد على دعم القيادة لها فقط، فهذا وإن كان لا يزال قائماً إلا أنه يجب أن يستعاض عنه بسبل حنكة المرأة وإبراز دورها لتكون إلى جانب الرجل كتفاً بكتف فتأخذ بزمام الأمور بقدرتها دون حاجة لأن تستجدي عطفاً بانكسارها الأنثوي، إذ إن هذا زمان ولى وانصرف.