محمد فهد الحارثي- البيان-
واشنطن احتفت بزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بشكل استثنائي وباهتمام ملموس. وكان اللقاء المرتقب بين الملك سلمان والرئيس الأميركي باراك أوباما مكان تعليق ومتابعة كثير من المراقبين في العاصمة الأميركية.
واتضح من تصريحات الطرفين أن الرغبة مشتركة في نقل العلاقة إلى مرحلة جديدة، ومستوى أعلى يصل إلى مفهوم الشراكة الاستراتيجية. وهو مفهوم يتجاوز إطار العلاقات التقليدية إلى بناء شبكة مصالح وشراكات تربط بين البلدين بشكل استراتيجي، وعلى المدى البعيد. والوصول إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين هو انتقال نوعي في مضمون العلاقة، وتتويج لمسيرة سبعين عاماً من العلاقات الخاصة بين البلدين
ومن يراقب التوجهات الجديدة للعمل السياسي السعودي، يلاحظ أن الفكر السياسي يركز على بناء شراكات وتعزيز مبدأ تبادل المصالح وترابطها، بحيث تحقق الفائدة للاقتصاد، وفتح منافذ وأسواق جديدة. وفي الوقت نفسه تدرك الدبلوماسية السعودية أن ترابط المصالح هو الذي يقرب السياسة ويدفع باتجاه خدمة الأهداف السياسية من مبدأ وضع العربة قبل الحصان. وهذا التوجه اتضح سواء في الزيارات السابقة لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لروسيا وفرنسا أو في زيارة خادم الحرمين لواشنطن.
فالزيارة حملت فرصاً استثمارية بنحو تريليوني دولار تغطي 12 قطاعاً، والقطاعات تتوزع على مجالات عدة منها مشاريع البنية التحتية للطرق والمواصلات والمناطق الحرة، وهي وحدها تتيح استثمارات بنحو 700 مليار دولار. والقطاعات تعددت من القطاع المصرفي والتعدين والتمويل السكني والقطاع الصحي والتعليم والتدريب وحتى مجالات الترفيه.
يراهن السعوديون على حجم اقتصاد ضخم وفرص استثمارية هائلة. والتوجه الاقتصادي يهدف في الأساس لخدمة مصالح السعودية أولاً وتعزيز العلاقات مع دول العالم، وبناء شبكة مصالح متداخلة مع القوى المؤثرة الدولية.
والولايات المتحدة، وهي الدولة الأقوى في العالم، تنظر إلى السعودية كونها محوراً مهماً في المنطقة وترتبط معها بعلاقات خاصة وتحالف قوي. وهي تحتاج إلى دولة مثل السعودية في منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط.
السعودية لديها سياسية معتدلة وتحظى باحترام وثقة على المستوى الدولي، وفي الجانب الاقتصادي هي قوة مؤثرة ومهمة، كما أنها في الجانب الروحي هي الحاضنة للأماكن المقدسة. وبالتالي هناك معطيات تحفز الدولتين على تعزيز العلاقة وتطويرها لمصلحتهما أولاً ولمصلحة الاستقرار العالمي.
وتكررت تحليلات وسيناريوهات عن توجه أميركي لإيران والتغيير في استراتيجية واشنطن تجاه المنطقة. وهناك من وضع تصوراً أن إيران ستكون البديل عن السعودية بالنسبة للولايات المتحدة. وهو تصور بعيد عن الواقعية والتحليل المنطقي.
وفي زيارتنا لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ضمن زيارة خادم الحرمين للعاصمة الأميركية، ذكر المتحدثون وهم مستشارون سابقون للبيت الأبيض وسفراء متقاعدون أن نقاط التباعد بين طهران وواشنطن أكثر بكثير من نقاط التلاقي، وأن الاتفاق النووي هو مشروع حرصت عليه الإدارة الأميركية، لتضمن عدم حصول إيران على السلاح النووي. ولكنه لا يعني بأي حال من الأحوال تحول العلاقة من طلاق بائن إلى زواج دائم.
يدرك الأميركيون أن طهران هي قاسم مشترك في مشكلات المنطقة، ولذلك كان واضحاً التأكيد بأن الاتفاق لا يعني إعطاء الضوء الأخضر لطهران أن تمارس العربدة السياسية في المنطقة، بل إن مسؤولاً سعودياً عالي المستوي كشف أن السعودية أبلغت واشنطن أنها لن تسمح بالتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية وستواجهها بحزم.
ويربط محللون بين هذه الرسالة القوية وبين سابقة سجلتها السعودية في قيادة مبادرة عسكرية للجم التدخل الإيراني في جنوب الجزيرة العربية، وصنعت تحالفاً عربياً عسكرياً نادراً لدعم الشرعية في اليمن، ومنع إيران من خلق فوضي من حروب الوكالة.
الحديث يدور عن شراكة استراتيجية على مختلف الصعد. والملك سلمان كان واضحاً حينما قال إننا نحتاج هذه العلاقة للسلم والاستقرار العالمي. فالسعودية ليست لديها طموحات توسعية، وهي تسعى لبناء الاستقرار في المنطقة.
ويبدو أن البلدين تجاوزا مرحلة الاتفاق النووي الإيراني الذي أبدت السعودية موافقتها عليها شريطة أن تكون الرقابة حاسمة ودائمة، وأن تعود العقوبات مباشرة في حالة إخلال إيران ببنود الاتفاق.
والقرار في العاصمة الأميركية له بيروقراطيته ودهاليزه، ولكن من الواضح أن الأجواء العامة في واشنطن تحفز على تعزيز العلاقة الاستراتيجية. وكان لافتاً في الزيارة أيضاً حضور السفير السعودي المرشح في واشنطن الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي، ضمن الوفد السعودي، وهو شخصية بارزة ولها ثقة واحترام، كما أن حضوره مع الملك سلمان فتحت له الأبواب المهمة في واشنطن.
البلدان يعملان الآن لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، وهذا يعكس جزءاً من الوجه الجديد للدبلوماسية السعودية في واقعيتها في التعامل مع المستجدات، وتحقيق أفضل المكاسب، ضمن المعطيات الموجودة. ولهذا يرى متابعون أن فرص التوافق والتحالف أصبحت أكثر من قبل، وأن الشراكة الاستراتيجية هي الجواب الحاسم لكل التأويلات، التي قيلت لتأتي الزيارة الملكية بالكلمة الأخيرة في هذا الإطار.