د. حمد العصيدان- الرأي-
مسكينة المناهج الدراسية في الكويت، التي سرعان ما يمتطي «صهوة تغييرها» كل من بحث عن تسجيل موقف سياسي تجاه حدث معين خلال المرحلة الماضية، وهي أسطوانة نعيش تكرارها بشكل شبه يومي في هذه الظروف التي نعيشها.
فمنذ ظهور «داعش» على الساحة الإقليمية، ارتفعت نبرة الكثيرين من ذوي الأجندات الخاصة لتتهم مناهج دولة الكويت بتعزيز التطرف وبث الكراهية، واستغلت هذه القضية للضغط على وزارة التربية لتمرير بعض ما في تلك الأجندات، ولاسيما ما يتعلق بمادة التربية الإسلامية. ولما امتدت يد التنظيم الآثم للكويت بتفجير مسجد الإمام الصادق، تحولت المطالبات بتغيير المناهج إلى صياح واتهام، وكأن مدارسنا تحولت «بقدرة قادر» إلى معاهد «طالبانية» تخرّج المتطرفين وتدفعهم لتدمير البلاد والعباد، بينما في حقيقة الأمر لم يثبت- وبشكل قاطع- تضمن مناهج الوزارة، خصوصا مادة التربية الإسلامية أي شيء في هذا الاتجاه، ولو كان ذلك موجودا لرأينا أولئك المطالبين يرفعون الكتب ويشيرون إلى تلك الصفحات بجلاء لتأييد مطالبهم، أضف إلى ذلك أن المجرم في ذلك الحادث لم يتخرج من مدارس الكويت!
وما زاد الأمر حيرة ما تابعناه على امتداد الأسبوع الماضي من تصريحات لوزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور بدر العيسى. فالوزير قام بجولات اطلاعية طوال أيام الأسبوع من الأحد إلى الخميس على مدارس الوزارة، من الابتدائيات والرياض وصولا للمتوسطة والثانوية، وحرص في كل يوم على الإدلاء بتصريحات صحافية سوّق من خلالها لسياسته في العمل الوزاري وخطط الوزارة، ولم ينس أن يعرّج ضمن تصريحاته على مسألة المناهج ومحتوياتها، ولعل ما تابعناه في هذه النقطة كان مبعث حيرتنا، مما رأيناه من بعض التناقض في مسألة محتوى المناهج وتعديلها.
فالوزير ذكر في أول تصريح أن مناهجنا خالية من التطرف، وليس فيها ما يتضمن ذلك، مشددا على أن مسؤولي الوزارة «حريصون على مراقبة ما تتضمنه المناهج وما يعطى في قاعات الفصول، وأنهم لن يسمحوا لأي معلم أن يطرح مادة المناهج بشكل متطرف، وسيعملون على تنفيذ توصية المحكمة في حكمها على المتورطين في تفجير مسجد الإمام الصادق، بمراقبة العملية التعليمية» مركّزا على أنه حرص منذ تولى حقيبة الوزارة على تنقية المناهج من أي شوائب قد تشوبها بمفاهيم الطائفية أو القبلية، ومبينا أن «مجتمعنا لا طائفي ولا قبلي».
ثم عاد الوزير ليتحدث عن تعديل المناهج في تصريح آخر، ويطرح الأمر على مستوى أشمل بالتأكيد على أن التعديل لن يتوقف على كتب المرحلة الثانوية، بل سيصل إلى الجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي. وأكثر ما لفت نظري في آخر تصريح للوزير يوم الخميس الماضي، ونشرته «الراي» يوم الجمعة الماضي، بملاحظته أن هناك مواد في منهج اللغة العربية يجب نقلها إلى مادة القرآن، وهو يقصد الدرس الأول في كل كتاب الذي يدرس فيه نص قرآني، وفات معالي الوزير أن اللغة العربية وقواعدها وبلاغتها انطلقت أساسا من القرآن الكريم، بل إن أكثر ما في كتب القواعد والبلاغة من شواهد ترجع إلى الكتاب العزيز، وأن وجود نص قرآني لا علاقة له بالجانب التشريعي والفقهي، وإنما يدرّس أدبيا من حيث المعاني والبلاغة وقواعد النحو، وبالتالي لا تضارب بين مادة اللغة العربية ومادة القرآن بوجود نص قرآني في كتب الأولى.
خلاصة القول إن مسألة تعديل المناهج خرجت عن سياقها العلمي إلى سياق سياسي، تعززه بعض الغايات الشخصية والخاصة هنا وهناك، فلا شك أن التعديل بهدف التطوير أمر محمود ومطلوب، ولاسيما في المواد العلمية التي تشهد تطورا واكتشافات توجب أن يواكبها منهج مطور، وهذا لا جدال فيه ولا خلاف، ولكن أن تطرح مع كل حدث مسألة تعديل المناهج، والتركيز على مادة التربية الإسلامية واللغة العربية فهذا ما يثير علامات الاستفهام. فمهما تطور العلم وزادت الاكتشافات فلا يمكن أن يصبح الحرام حلالا، ولا أن يتحول الفاعل إلى مفعول به!