سامية عبدالله- شؤون خليجية -
تفاهمات أمريكية إيرانية سرية بدأت تخرج للعلن مع ضمان تمرير الاتفاق النووي الإيراني في الكونجرس الأمريكي، حيث كشفت تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، بشأن الأزمة السورية عن موقف إيراني أكثر مرونة، باتخاذ خطوات تكتيكية واعتماد خطاب سياسي أكثر ذكاء تجاه مصير بشار الأسد، في إطار يثير التساؤلات عما إذا كان أحد أشكال التحايل والخداع التكتيكي، أم أنه تغير حقيقي جاء انعكاسًا للتقارب الإيراني الأمريكي والتنازلات المتبادلة بين الطرفين، اللذين شكلا تحالفًا سريًا لمحاربة الإرهاب وداعش في العراق وسوريا.
توطيد الشراكة مع واشنطن
في تصريحات مثيرة للجدل قال الرئيس الإيراني حسن روحاني: إنه يجب بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة، حتى دحر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الأقل، فيما أكد أن بلاده وأمريكا اتخذتا خطوات لتخفيف العداء بينهما.
وفي مقابلة مع شبكة "سي.بي.إس" التليفزيونية الأمريكية، بُثت أمس الأحد، قال روحاني: إن طهران وواشنطن "اتخذتا أولى الخطوات" نحو تخفيف العداء بينهما، نتيجة اتفاق نووي تاريخي. ولكنه قال في برنامج "60 دقيقة" في الشبكة، إنه على الرغم من هذا الاتفاق النووي، فإن "الهوة والخلافات وانعدام الثقة لن تنتهي قريبًا". وغازل الأمريكيين بقوله: إن الهتاف الأسبوعي "الموت لأمريكا" في إيران "ليس شعارًا ضد الشعب الأمريكي".
وتأتي تصريحات روحاني في مرحلة توصف بـ"شهر عسل أمريكي - إيراني"، بعد عجز معارضي الاتفاق في الكونجرس الأمريكي عن حشد الأصوات الكافية لإسقاطه بحلول الموعد النهائي التشريعي للقيام بعمل، الأسبوع الماضي، بما سينعكس بقوة على إدارة ملفات أهم الأزمات بالمنطقة، والتي تتجه لتسويات وشيكة لم تتبلور بعد، ستتأثر كذلك بتفاهمات كامب ديفيد والوعود الأمريكية للحليف الخليجي، ولكنها لم تترجم بعد وتبدو مهمشة.
هل توجد تفاهمات سرية
وبرغم عدم إعلان موقف أمريكي إيراني تجاه الملف السوري، إلا أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 19 سبتمبر الجاري، تحمل نفس مضمون تصريحات روحاني، حيث شدد جون كيري "على ضرورة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة"، لكنه قال: "إن ذلك لا يعني أن عليه الرحيل فوراً"، مشيراً إلى أن التوقيت يتقرَّر خلال المفاوضات.
وقال كيري، عقب محادثات مع نظيره البريطاني فيليب هاموند: «على مدى سنة ونصف سنة قلنا إن على الأسد التنحي، ولكن متى وما هي الطريقة... ليس من الضروري أن يحدث ذلك خلال يوم أو شهر أو ما إلى ذلك». ورحّب كيري بتركيز روسيا جهودها ضد «داعش» في سورية، قائلاً: «نرحب بذلك، ونحن مستعدون لمحاولة إيجاد سبل للقضاء على داعش بأسرع الطرق وأكثرها فاعلية.. علينا أن نبدأ المفاوضات، وهذا ما نبحث عنه، ونأمل في أن تساعد روسيا وإيران وغيرهما من الدول صاحبة النفوذ في تحقيق ذلك".
هذا الاتفاق في الرؤى بين أمريكا وروسيا وإيران يعني إطالة أمد الأزمة بفزاعة "داعش" أولًا، بما يضر المصالح الخليجية والسعودية تحديدًا، بحسب مراقبين.
ضبابية الموقف من شخص الأسد
ومجمل التصريحات الأمريكية والإيرانية تشير ضمنًا إلى بقاء بشار الأسد ونظامه فترة انتقالية مرحلية غامضة ومقلقة، بحجة القضاء على داعش أولًا، فيما يحذر مراقبون من كونها فترة لإطالة أمد الأزمة ولسحق المعارضة وتقليم أظافرها، وضمان بديل سياسي لبشار ضمن أمن إسرائيل بعد رحيله.
ويرى مراقبون أن موقف كيري يعد أحد أكثر المواقف وضوحاً من إدارة الرئيس باراك أوباما في شأن «الرحيل المؤجل» للأسد، في وقت تتصدّر الأزمة السورية الأولويات السياسية في نيويورك، تمهيداً لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الجاري، بما يرجح اقتراب تبلور حل سياسي.
ولوحظ سعي دول غربية إلى تكريس مبدأ «الفصل» بين الأسد وبين نظامه، من خلال التشديد على ضرورة «رفض التعامل مع الأسد»، ولكن في الوقت ذاته التمسك بـ «بقاء هيكل الدولة» تجنُّباً لتكرار السيناريو العراقي، في إشارة إلى حل الجيش والمؤسسات الحكومية في العراق بعد الاجتياح الأميركي. بما يعني التحايل على الثورة السورية وإجهاض مكتسباتها برحيل صوري وشكلي للأسد بحجج وذرائع عديدة.
وأيًا كانت الدوافع التي تحرك الرئيس الإيراني، فإن مواقف الأطراف الثلاثة الأمريكية والروسية والإيرانية صار يجمعها خيوط مشتركة لم تتبلور بعد، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى الاتجاه لتفاهم غير معلن بينهم، والبحث عن توافق حول الحد الأدنى المطلوب في سوريا كمصلحة مشتركة، وفق المراقبين.
تنحية الأسد الورقة الرابحة
وأصبحت ضبابية الموقف من شخص بشار الأسد هي الورقة الرابحة للتلاعب بالملف السوري، فتصريحات الرئيس روحاني ووزير الخارجية الأمريكي والروسي تتفق حول أولوية محاربة داعش، مع إبداء إيران مرونة تجاه تنحية شخص الأسد في مرحلة معينة، وفي الوقت نفسه تتمسك طهران ببقاء نظام الأسد وهيكله، وتتفق وثائق المبعوث الأممي لسوريا، والتي ولدت من رحم المبادرة الروسية والإيرانية والسورية مع الهدف نفسه، حيث تشير إلى مرحلة انتقالية يشارك فيها النظام والمعارضة، ولا تشير صراحة لاسم بشار، بحسب مراقبين.
فهل يصبح تنحية الأسد مع ضمان بقاء نظامه ورجاله المخترقين من إيران، هو اللعبة الإيرانية الجديدة في سوريا لكسب الحليف الأمريكي بعد إتمام الاتفاق النووي، وضمان استمرار تغلغلها وسيطرتها على سوريا، أم تمسك إيران العصا من المنتصف، حيث تتقارب مع الحليف الروسي عسكريًا ومع أمريكا سياسيًا لتهيمن على مفاصل اللعبة، وسط توقعات بأنها لن تتخلى عن شخص الأسد إن استطاعت بعد تحولها لقوة نفطية واقتصادية، فيما تحتفظ بورقة تنحيه شخصيًا حين يكتمل الثمن أو المقابل لذلك، وبعد إحكام قبضتها على العملية الانتقالية وممثليها بهيكل سياسي يحتفظ بنظام بشار ونفوذه أو يعيد إنتاج نظامه، ويضعف موقف المعارضة بغطاء أممي، بفضل وثائق المبعوث الأممي لسوريا دي ميستورا.
إيران وتنحية الأسد
المثير للقلق أيضًا أن مضمون تصريحات روحاني وجون كيري تتفق ومضمون وثائق المبعوث الأممي بوجود عملية وفترة انتقالية مبهمة الملامح، يبدو أن رسمها سيكون ضمن تسويات قادمة، بحسب تقسيم مناطق نفوذ بين أطراف الأزمة، وقد يكون بدء اجتماعات الجمعية العامة بالأمم المتحدة كمطبخ سياسي نشط لبلورتها.
بدوره اعتبر الدكتور "تيودور كاراسيك" المحلل المتخصص في الجغرافيا السياسية، أن مهمة روسيا في سوريا تتماشى مع المصالح الجيوسياسية لإيران هناك، وأشار في تصريح لـ"شؤون خليجية"، إلى أن موسكو وطهران يبدو أنهما مستعدان الآن لتنحية بشار الأسد جانبًا لصالح تشكيل حكومة جديدة واسعة، للمساعدة في إخماد الحرب الأهلية.
وتحدث عن أن استعداد البلدين لتنحية الأسد جانبًا يلبي متطلبات الغرب، على الرغم من أن أمريكا وأوروبا يستيقظون الآن على واقع جديد على الأرض. وذكر أن الوضع الجيوسياسي يقوم الآن على إحداث توازن في المصالح، وتركيز الجهود العسكرية لمواجهة المتشددين. وأن كل اللاعبين الإقليميين والدوليين يعترفون الآن، بأن هزيمة واجتثاث المتطرفين أكثر أهمية في هذا المنعطف التاريخي.
أيضًا أكد مسؤولون أميركيون في 27 أغسطس الماضي، في تصريحات صحفية، على أن "إيران مستعدّة لسيناريو سوريا من دون بشار الأسد، ولكنها قبل أن تدخل في هذا النوع من الحوار، يبدو أنها تنتظر حتى تتأكد من إتمام تنفيذ الاتفاقية النووية، وبعد ذلك، تدخل في مرحلة المفاوضات للحصول على أكبر تسويات من الفرقاء الآخرين في سوريا".
وشدد المسؤولون الأميركيون على أن "النظام في إيران ليس متمسّكاً بالأسد"، وإنما يسعى إلى رفع ثمن استغنائه عنه وفقط. وأن "العقبة الوحيدة أمام التوصّل إلى تسوية في سوريا، تتمثّل في بقاء الأسد في الحكم لأي مدة زمنية.. قصيرة أم طويلة".
في المقابل يرى معارضو الإدارة، خصوصاً من المسؤولين في الكونغرس وفي الحزب الجمهوري، أن "لا مصلحة لإيران في التخلّي عن الأسد، بعد حصولها على الأموال ورفع العقوبات عنها"، موضحين أن "المقايضة التي تطرحها إدارة أوباما على طهران، تتمثّل في موافقة واشنطن على تسليم سوريا لإيران مقابل تخلّي الإيرانيين عن الأسد. لكنَ الإيرانيين لا يرون أنفسهم مجبرين على الاختيار بين أمرين، بل تعتقد طهران- حسب المصادر الجمهورية- أنه يمكنها الحصول على الاثنين معاً: السيطرة على سوريا وإبقاء الأسد".
ويرى مراقبون أن روسيا تنسق مع إيران التي أرسلت قوات من النخبة إلى سوريا، في محاولة للحفاظ على دمشق والمنطقة العلوية في قبضة النظام، وبينما تجري جولات مكوكية بحثًا عن حلول سياسية للأزمة، تكمل طهران بدعم موسكو سيطرتها على أكبر مناطق ممكنة في سوريا، حيث تبحثان عن مناطق نفوذ استراتيجي أكثر من بحثهما عن شخص بشار، وبذلك ضمنتا الهيمنة على أي حل سياسي قادم، والمثير للقلق أن هناك بوادر للتفاهم الروسي- الإيراني- الأمريكي حول مصير الأسد يراعي مصالحهم المشتركة، دون اكتراث بالحليف الخليجي، بعد أن أصبحت إيران الحليف الأهم لواشنطن.