زهير ماجد- الوطن-
لم يفهم الاميركي جيدا ماهية سوريا، حرارتها الساطعة، خليتها المحكمة، دورة تاريخها … من المؤكد ان بعض نخبه قرأوا الكثير عنها لكنهم لم يدخلوا اليها حسا ولا استلهاما، قرأوها كأحداث وليس من باب تحليل ظواهرها وباطنها، اسرار شعبها، دفقهم الوطني والقومي، الاعتبارات التي جعلت منها قلبا للعروبة، بل هل فهموا معنى تلك العروبة ومقاييسها في التاريخ والجغرافيا.
من المؤكد ان الاميركي يستهين بالدول، اعتبارات القوي لضعف الآخرين تجعله لا يصنف فيما بينها، بل يأخذها كلها ضمن مفهومه العام. بالنسبة إليه سوريا مثل اي بلد في العالم النامي، قوته الزائدة تجعله ساخرا من جغرافيات يراها مساحات من خلال اقماره الاصطناعية .. العالم كرة، والكرة بالنسبة إليه جسم واحد لأن الحدود لاتبان من فوق، من عل..
ولأنه لم يفهم هكذا سوريا، فقد وقع في مطب تفسيرات مسبقة .. كان يظن ان رئيسها مثله مثل اي رئيس من جمهورية الموز، او من اولئك الذين خرجوا عن الطاعة كما فسرتهم فلجأوا إلى سفارات للحماية الذاتية. وعندما فشلوا في فهم شخص الاسد او على الاقل عرفوا معنى عائلته باللغة العربية، ظلوا على غيهم بأنه لا فرق بينه وبين آخرين من عرب وغير عرب، فلماذا يكون متمايزا عنهم.
لهذه الأسباب وقعت الولايات المتحدة في خطأ تفسير من هي سوريا ومن هي بلاد الشام التي قال فيها الشاعر سعيد عقل ” شام ما المجد؟ انت المجد لم يغب”. ولأنهم اخطأوا في الاساس سقطوا في فهم الظاهرة البشرية لتلك المنطقة التي هي مجمع ابطال تاريخيين ومعاصرين، من اليسا ملكة قرطاج الى الابن هنيبعل، الى آخر مقاتل في حزب الله، وآخر بطل في الجيش العربي السوري.
لا يمكن للاميركي مهما كان بليغا ان يعي تلك التفاصيل التي يتدخل فيها عالم الحس والنبض المميز وروح المقاومة والتضحية .. هو لن يعرف معنى ان تقف زنوبيا ملكة تدمر ببسالة لا مثيل لها ضد اقوى الامبراطوريات في التاريخ، وان يرفض الرئيس الراحل حافظ الاسد اكمال حوار له مع مسؤول الامن القومي الاميركي الاسبق ماكفرلين بقوله له ان عد الى بلادك واعيدوا قراءة تاريخ منطقتنا.
اميركا لم تعد اميركا المهابة بعدما انكشفت قواها بل اذرعتها القوية في افغانستان وتحديدا في العراق، وقبلها في لبنان حين سقط لها دفعة واحدة اكثر من مائتين من قوتها الكبرى المارينز خلال عملية استشهادية لاحد حراس التاريخ من حزب الله. معادلة القوة المادية بقوة الايمان والروح لم تدرسها الولايات المتحدة ولم تعرفها من قبل .. ورغم انها عايشتها في بلاد الرافدين الا انها من المؤسف لم تفقه كنهها، فظلت تخابط بتلك الطريقة المتوحشة شعبا في سوريا عمره الزمني يفوق عشرات اضعاف عمر كل ولايات اميركا. والتوحش احد مواد التاريخ التي تظهر بين فترة واخرى لكنها تقتل في مهدها رغم المعاناة التي تطرحها اثناء ظهورها.
تلك هي اسرار سوريا الذكية النقية التي لا يفهمها الا من شرب من نهر بردى وعاين قاسيون واكل من قمح حوران وتين اريحا وعنب الرقة وفاكهة حلب واطل من جبل حرمون ليرى نكهة التاريخ فلسطين في عين تزأر.